وكما يقال : أنبت الربيع البقل ، يقال : صوّحه (١) الخريف ، وأذاب الصيف الثلج ، فهل يخصّص السكاكي مقالته بالمثال من غير مخصّص ، أم يجري طلق العنان في المثالين وفيما لا تحصى من أمثالهما ، ولا يبالي بما يصيبه من أهل الأدب والآداب؟.
والعجب من العلاّمة صاحب الفصول حيث وقع في مثل ما وقع فيه السكاكي ، فقال وهذا لفظه : « اعلم أنّ في مثل قولهم : أنبت الربيع البقل وجوها :
أحدها : أن ينزّل الربيع منزلة الفاعل ، ويدلّ عليه بإثبات بعض لوازمه من إسناد الإنبات إليه فيكون الربيع حينئذ استعارة بالكناية فيكون الإنبات أو إسناده إليه استعارة تخييليّة ، ولا تجوّز حينئذ فيه ، أمّا في طرفي الإسناد فظاهر ، وأمّا في الإسناد فلأنّ المراد منه معناه الحقيقي على ما مرّ ، ولا يلزم الكذب لابتنائه على التأويل في أحد طرفيه ، بخلاف الكذب فإنه لا يبتنى على التأويل.
الثاني : أن يكون إسناد الإنبات إليه مبنيّا على دعوى كونه فاعلا له نظرا إلى كونه سببا إعداديّا له ، فحينئذ يكون المجاز عقليّا حيث أعطي ما ليس بفاعل حكم الفاعل وأثره ، وأقيم مقامه.
والفرق بين هذا الوجه والوجه المتقدم أنه لا تأويل هنا في نفس الربيع بخلاف الوجه السابق.
الثالث : أن ينزل تسبّبه الإعدادي منزلة التسبّب الفاعلي فيعبّر عنه باللفظ الدالّ عليه ، وحينئذ يكون الإسناد مجازا لغويّا لأنه غير موضوع في مثل أنبت ، للتعلّق بالسبب الإعدادي ، بل الفاعلي ـ ثم قال ـ : هكذا ينبغي تحقيق المقام » (٢).
__________________
(١) تصوّح البقل إذا يبس. الصحاح ١ : ٣٨٤ ، القاموس المحيط ١ : ٢٣٥ ( صوح ).
(٢) الفصول الغرويّة : ٢٩.