والتعطّف على طلبة العلم ، وكانوا يختلفون إليه على اختلاف طبقاتهم واختلاف مراتبهم ومآربهم ، حتّى أنّ الأصاغر منهم يقصدونه للسؤال عن بعض عبارات الكتب الابتدائية فيسمح لهم بالجواب ، ويلاطفهم في الخطاب وهو جالس في صحن داره على التراب.
ولم يزل لأبناء العلم كالوالد الشفيق ، وبيته كالبيت يحجّون إليه من كلّ فجّ عميق ، إلى أن وقف عمره على ثنيّة الوداع ، وأذنت مزنة (١) الفض بالإقلاع ، فظهرت في كفّه الشريفة قرحة أقرحت منّا القلوب والأكباد ، ووددنا أن نفديه منها بأرواحنا لا الأجساد ، وتولّدت منها عوارض أخرى ، إلى أن لزم داره ، واستمرّ به المرض مدّة تقرب من شهر حتى قضى نحبه ، وجاور ربّه في شهر ذي القعدة الحرام من شهور سنة ١٣١٦ ولا تسأل عمّا جرى في جنازته من العويل والبكاء ، وقد جرت عن العيون بدل الدموع الدماء ، ودفنّاه في إحدى حجرات الصحن الشريف من جهة باب السوق الكبير على يسار الداخل إليه.
وكان قليل التصنيف جدّاً ، على أنّي سمعت منه في الدرس يقول : إنّي لم أباحث قط من غير مطالعة ، بل ولا من غير كتابة.
والموجود ـ الآن ـ ممّا خطّه بقلمه : قطعة في شرح أوائل رسالة البراءة من رسائل الشيخ الأعظم ، ورسالة في الدماء الثلاثة ، ورسالة في خلل الصلاة.
وخلّف من الذكور أربعة :
أوّلهم : الشاب العالم الفاضل السيد محمد باقر ، وكان وضيّ الطلعة ، دمث الأخلاق ، محبوبا عند أهل العلم.
وكان صهر أعزّ أصدقاء والده ، العلاّمة الآقا ميرزا محمد تقي آية الله الشيرازي الثاني ، وكان مدبّر أمره ومستودع سرّه ، ولكنّه أدركه المحاق قبل
__________________
(١) المزنة : السحابة الممطرة [ الصحاح ٦ : ٢٢٠٣ مزن ] وإقلاعها كناية عن انتهاء عمره.