وملخّص الكلام فيه أنّ الأشاعرة إن أرادوا إثبات صفة نفسانية أخرى غير الإرادة ، فهو واضح الفساد ، ضرورة إنّا لا نجد في أنفسنا عند الطلب غير الإرادة ـ بالمعنى الّذي عرفت ـ شيئا آخر.
وإن أرادوا أنّ الطلب معنى ينتزع عن الإرادة في مرتبة الكشف والإظهار ، فهو غير الإرادة المجرّدة مفهوما وإن اتّحدا ذاتا ، وبعبارة أخرى : إنه إظهار الإرادة ، وإعلام الغير بها ، وإلزامه بإيجاد متعلّقها منه ، ونحو ذلك من التعبير فهو حقّ لا محيص عنه ، إذ الوجدان يشهد بتفاوت الحال بين الإرادة المجرّدة والإرادة المظهرة ، واختلاف حكمهما ، والهيئات إنما وضعت لبيان تلك الصفة النفسيّة وإظهارها فقبل إظهارها لا يسمّى طلبا ولا أمرا ، ولا يقال : إنه طلب كذا أو أمر كذا.
وأنت إذا تأمّلت في أدلّة الفريقين واطّلعت على ما احتجّ كلّ منهما على ما ذهب إليه واعترض الآخر عليه ، علمت أنّ الّذي أثبته الأشاعرة ، ونفاه العدليّة ، هو إثبات صفة أخرى غير الإرادة ، هذا آية الله العلاّمة (١) احتجّ على الاتحاد بأنّا لا نجد في الآمر أمرا آخر مغايرا للإرادة ، إذ ليس المفهوم منه إلاّ إرادة
__________________
(١) هو آية الله في العالمين وأستاذ الخلائق أجمعين حسن بن سدين الدين يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي المشهور بالعلاّمة أعلى الله مقامه وعلوّ درجته ، غير محتاج إلى البيان وأشهر من أن يقام عليه البرهان ، وهو قدّس الله رمسه صاحب تصانيف كثيرة ومؤلفات جليلة ، بل هو أكثر العلماء تأليفا وأجلّهم تحقيقا وتصنيفا حتى قال بعض العلماء ما معناه : « إنّ مؤلّفاته في الكثرة على حدّ بحيث انّها قد حوسبت ، فصار بإزاء كلّ يوم من أيام عمره ألف بيت من المصنفات ».
ولد صاحب الترجمة في التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة ٦٤٨ ووفاته (ره) يوم السبت الحادي والعشرين من محرم الحرام سنة ٧٢٦. فكان عمره الشريف ثمانية وسبعين سنة. وقد تلمّذ ـ طاب ثراه ـ عند والده سدين الدين ، وخاله صاحب الشرائع ، والمحقق الطوسي وغيرهم رحمة الله تعالى عليهم أجمعين إلى يوم الدين. ( مجد الدين ).