الفعل من المأمور ، ولو كان هناك معنى آخر لا ندركه فلا شك في كونه أمرا خفيّا في غاية الخفاء إلى آخره ، إلى غير ذلك من كلام الفريقين.
والعلاّمة ـ الجدّ ـ لم يخالف العدليّة في ذلك ، ولم يجنح إلى قول الأشاعرة قطّ ، بل هو من ألدّ أعداء هذه المقالة ، وأشدّ من خاصمهم ، وقد قال في بحث مقدمة الواجب بعد ما بيّن مذهب العدليّة من أنّ حقيقة الطلب عندهم هي الإرادة المتعلّقة بفعل الشيء أو تركه ، ما نصه : « وقد خالف في ذلك الأشاعرة ، فزعموا أنّ الطلب أمر آخر وراء الإرادة ، وجعلوه من أقسام الكلام النفسيّ المغاير عندهم للإرادة والكراهة.
وقد عرفت أنّ ما ذكروه أمر فاسد غير معقول ، مبني على فاسد آخر ، أعني الكلام النفسيّ » (١) انتهى.
فلينظر المنصف إلى هذا الإمام كيف يجعل مقالة الأشاعرة أمرا فاسدا غير معقول مبنيا على فاسد آخر.
ثمّ ليعجب ممّن نسب إليه موافقتهم ، ويخالف في كلامه سنّة الأدب ، وهو لم يعرف صحيح مرامه من صريح كلامه ، مع أنه ـ طاب ثراه ـ لم يأل في إيضاح ما يرومه جهدا ، ولم يبق لمتأمل فيه عذرا فقال ما لفظه :
« والّذي يقتضيه التحقيق في المقام ، أنّ هناك إرادة لصدور الفعل من الغير بحسب الواقع ، واقتضاء له بحسب الخارج ، لإيقاعه الفعل بإلزامه به وندبه إليه ، ومن البيّن أنّ الثاني لا يستلزم الأول وإن كان الظاهر صدور الاقتضاء على طبق الإرادة الواقعية ، لظهور إلزام المأمور بالفعل مثلا في كون ذلك الفعل محبوبا للآمر ، ومرادا له بحسب الواقع إلاّ أنه مع العلم بالتخلّف لا يخرج عن حقيقته »
__________________
(١) هداية المسترشدين : ١٣٣.