وأيضا الكلام في وجوب المقدّمة ـ كما مرّ إجمالا ، وستعرفه تفصيلا ـ ترشح الطلب المولوي من ذي المقدّمة عليها ، فتجب مولويّا ، وتحصيل العلم بالفراغ ليس بواجب شرعي أصلا ، حتى ينازع في ما يجب تبعا له.
ثمّ الّذي يجب بهذه القاعدة هو الإتيان بما يحتمل أن يكون هو الواجب أو جزء منه ، ولا يعقل أن يكون ما يقطع بعدم وجوبه مقدّمة علميّة له ، وهذا ظاهر جدّاً.
ولكن في كثير من المتون الفقهيّة في مسألة الوضوء وغيره : أنه يجب غسل شيء من خارج الحدّ ، أو من الباطن مقدّمة ، فإن أرادوا بها المقدّمة الوجوديّة ، على أنه بعيد من ظاهر العبارة ، بل ببالي تصريح بعضهم بخلافه ، ففيه منع التوقف (١) ، وإنما المسلّم استلزام غسل مقدار الواجب لانغسال ما خرج عن حدّه ، وأين الاستلزام من المقدمة ، واللوازم العادية والعقلية لإتيان الواجب كثيرة ، كما لا يخفى ، ولا يقول أحد بوجوبها.
وإن أرادوا بها المقدّمة العلمية ، ففيه ما عرفت من عدم معقولية ذلك ، فلو قيل لمن لا يعرف زيدا : أكرم زيدا. فالعلم بإكرامه يحصل بإكرام من يحتمل أن يكون زيدا ، ولا يعقل أن يكون إكرام من يعلم أنه عمرو ـ مثلا ـ مقدّمة للعلم بإكرام زيد ، وما الأجزاء القريبة من حدّ الوجه ـ مثلا ـ إذا علم خروجها إلاّ كالنحر والصدر وغيرهما من الأجزاء البعيدة عنه.
وهذا ظاهر جدّاً وإن لم أعثر على من تنبّه له ، فضلا عمّن نبّه عليه ، وقد ذكرت ذلك في شرح كتاب نجاة العباد (٢) ، فلا مناص في تصحيح ما قالوه ، إلاّ
__________________
(١) لأنه يشترط في المقدّمة الوجوديّة توقف الواجب عليها فهنا إنّا نمنع توقف الواجب على ما نعلم خروجه ، وهذا ظاهر جدّاً ، فمن قال بأنّ المراد بالتوقف التردد بمعنى إنّا لا نتردّد فيه فقد أخطأ. ( مجد الدين ).
(٢) المسمّى بـ ( كبوات الجياد في شرح نجاة العباد ) وهذا الكتاب أحسن من أن يوصف. ( مجد الدين ).