المقدّمات الواجبة قبل وجوب ذيها (١).
فالأولى أن يقال : إنّ الواجب الغيري هو الواجب بالغير ، والنفسيّ ما لم يكن كذلك وإن كان واجبا للغير.
وبيانه : أن الغيري ما لا وجوب له بذاته ، ولا تتعلق به الإرادة والإنشاء والبعث ابتداء ، وإنما يجب بوجوب غيره ، ويكون مرادا ومنشأ بنفس إرادة الغير وإنشائه ، فهو نظير لوازم الماهيّات الّتي تجعل بنفس جعل ملزوماتها ، وهذا بخلاف النفسيّ الّذي هو متعلّق الإرادة بذاته ، وملحوظ للآمر ابتداء ، وقد بعث إليه ووعد وأوعد عليه وإن كانت المصلحة الداعية إلى الأمر به أمرا آخرا حاصلا بسببه حتّى التوصّل إلى واجب نفسي مثله.
وبالجملة الفرق بينهما بالفرق بين نحوي الجعل الابتدائي والتبعي ، لا بالفرق بين نحوي المصلحة ، حتى ينتقض الطرد والعكس لكل من الحدّين ، ويجاب عنه بما لا يخفى التكلّف فيه لذي عينين.
فاستبان ممّا حققناه : أنّ كل مقدمة للمطلوب يمكن أن يريدها بنفسها ، ويبعث عليها ، فيترتب على إطاعتها الثواب ، وعلى مخالفتها العقاب ، فتكون واجبة لذاتها.
ويمكن أن يجعل الأمر الآخر مصبّا لطلبه فقط ، فتكون واجبة بوجوبه ، ومرادة تبعا لإرادة الغير ، ويكون ذلك بحسب نظر الآمر ، وملاحظة المرجّحات الخارجة عن ذات المقدّمات ، فربّما اتفق الآمران في مطلوب ، واختلف طلبهما لمقدمة شخصيّة باختلاف حالي مأموريهما ، هذا.
فلو رأيت المصلحة اللازمة في مباشرة عبدك ـ الّذي لا يعرف الكتابة والحساب ـ دفاتر حسابك ، فتارة تأمره أوّلا بتعلّم الحساب والخطّ ، وتثيبه وتعاقبه
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٢١٧.