وعصيان ، ولا يعقل أن يكون داعيا إلى الفعل ومحرّكا نحوه ، فليس فيه أيضا ما هو حقيقة الأمر وثمرته ، أعني كونه باعثا وداعيا.
واما الاحتمال الثاني ، فقد ذكره الشيخ الأعظم في أثناء الكلام على المقدّمة الموصلة ، ودونك عبارة مقرّر درسه ، قال في أثناء كلام له ، ما لفظه :
« وأمّا بناء على أنّ الطلب المتعلّق بالمقدمات ليس طلبا برأسه ، بل الموجود هو طلب واحد ، فإن قيس إلى نفس الواجب كان طلبا نفسيّا ، وإن قيس إلى ما يتوقف عليه وجود الواجب من المقدمات يكون طلبا غيريا » (١) ثم ردّه بقوله : « وذلك خروج عمّا هو المفروض من وجوب المقدّمة ، إذ الطلب الواحد ممّا لا يعقل أن يتعلّق بمطلوبين مع اختلاف مراتبه بالنفسية والغيرية » (٢).
قلت : هذا الاحتمال إن كان زيّفه وما ارتضاه ، فليس بذلك البعيد ، بل ولعلّه أحسن الوجوه ، إذ هو النمط الأوسط بين التفريط والقول بالنفي المطلق ، والإفراط وهو القول بتعلّق الوجوب النفسيّ بها ابتداء ، وعدم وجوب ذيها أصلا.
وستعرف أنّ الدليل على وجوب المقدّمة منحصر عنده في الوجدان ، وهو لا يساعد على أكثر من وجود البعث إلى المقدّمات عند الأمر بذيها في الجملة ، بل لعلّ الوجه أن يكذّب وجود الطّلبات المتعددة ، وأوامر عديدة مع اتّحاد المطلوب ، وكفاية الطلب الواحد ، بل ولغويّة الزّائد ، فتأمل.
وأيضا ليس الواجب إلاّ إتيان المأمور به ، إذ ذات الوجود مع عدم لحاظ الإتيان ليس من فعل المكلّف ، ولا معنى لإتيان الشيء إلاّ إتيان مقدّماته ، وهل تجد معنى لقول القائل : اشتر اللحم. إلاّ دخول السوق ، والحضور لدى القصّاب وإعطاء الثمن ، أو لا ترى أنّ الأمر بجميع هذه المقدمات ولو ظهرت
__________________
(١) مطارح الأنظار : ٧٧.
(٢) مطارح الأنظار : ٧٧.