بالموصلة إمّا إنكار لوجوب المقدّمة ، أو قول بوجوب العلّة التامة (١) ، ولا بدّ أن يسري منها إلى جميع المقدّمات ، وتكون النتيجة هو القول المشهور ، لأنّا نختار الثاني ، ونقول بالسراية ، لكن بالمعنى الّذي عرفت لا بالمعنى الّذي فهمه المقرّر ، فأطال القول وأسهب (٢) ، بل تجاوز الحدّ ، ولم يحسن الأدب ، فإن كان مراد المشهور بالسراية ما عرّفناك فالحمد لله على الوفاق.
وإن شئت زيادة توضيح لما قلناه ـ ولا أخالك في حاجة إليها ـ فعليك بقياس الإرادة التشرعية بالتكوينية بعد التأمل فيما سلف من أن الإرادتين متحدتان بحسب الحقيقة ومتعلّقهما واحد ، لا فرق بينهما إلاّ توسيط فعل الغير في وقوع الفعل المطلوب دون الثانية ، فمن أمر عبده بضرب عدوّه كمن باشر ضربه بيده ، وكلاهما مريد للضرب وفاعل له ، ولكن هذا ضارب بيده وذاك بيد عبده.
ثم راجع نفسك فيما تزاوله من أعمالك وسوف تجدها ، إذا أردت نيل درة غالية كيف تكابد مشقّة الأسفار ، وتجوب لطلبها البراري ، وتغوص البحار ، وترى الصلاح في كل مقدّمة من مقدّمات الوصول إليها ، إذا علمت بأنها سوف يجتمع ، ويترتب عليها الوصول إليها ، بخلاف ما إذا علمت خلاف ذلك ، فإنك لا تجدها تتحرك ولو خطوة نحو واحدة منها ، لأنها لا ترى مصلحة فيها ، وأمر الغير إحدى مقدّمات وقوع الفعل ، فلا بدّ أن يكون الحال فيه كالحال في سائرها.
فحقّ ـ إذن ـ للعلاّمة ـ العمّ ـ أن يقول : « لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم : أريد الحج وأريد المسير الّذي يتوصّل به إلى فعل الواجب دون مالا يتوصّل به إليه ، بل الضرورة قاضية بجواز تصريح الآمر بمثل ذلك ، كما أنها
__________________
(١) مطارح الأنظار : ٧٧.
(٢) أسهب : أي أكثر الكلام. ( مجد الدين )