العقل امتثال أمر آخر من المولى ـ فلا يلزم اللغويّة ، إذ يكفي في ثمرة وجود الأمر أنه لو أراد المكلّف عصيان الواجب المعيّن يقدر على إطاعة هذا الأمر ، ومن ذلك يظهر أنّ قياس مقامنا بمثال الطيران إلى السماء ليس في محلّه » (١) انتهى.
ولا أدري متى كانت اللّغوية مناطا لقبح التكليف بغير المقدور أو لامتناعه وعهدنا بالقدرة وهي بنفسها شرط في جواز التكليف ، بل في تحقّق الطلب ، وأنّ الإرادة لا يعقل تعلّقها بغير المقدور تشريعيّة كانت أم تكوينيّة ، ولو أمكن إثبات كون اللغويّة هي المناط لسهل بيان الترتّب بلا احتياج إلى ما علمته من المقدّمات.
وبالجملة لم يظهر لنا بعد محمل لهذا القول يليق بمقام قائله ، فكأنه يرى في مسألة فورية القضاء وما كان من بابها وجود أوامر ثلاثة يتعلّق اثنان منها بالواجبين ، وثالث بعنوان التقديم ، كما يدلّ عليه قوله في العبارة المتقدمة : « وإن قدّمت الموسّع فقد امتثلت وأثمت في المخالفة ، والحاصل : أنّ الأمر يرجع إلى وجوب التقديم » (٢) إلى آخره.
وعلى هذا فهو خارج عن حمى مسألتنا هذه التي لا مدخليّة لغرض التقديم فيها أصلا ، بل المناط فيه حكم العقل بالجمع بين الغرضين المتعلّقين بالمتزاحمين ، وحكمه بعدم إمكان البعث إلى المهمّ إذا استلزم عصيان الأهمّ ، بل هو من باب مناسك الحج التي استشهد بها حيث علم من الدليل وجود مصلحة ملزمة في التقديم زيادة على المصلحة الموجودة في أصل الواجبين ، وليس الإجزاء فيها إلاّ لفوت غرض التقديم ، وعدم إمكان تداركه على ما سبق بيانه في بحث الإجزاء.
على أنه مع ذلك يصيبه نصيب من الإشكال ، إذ المجال فيه واسع للسؤال
__________________
(١) درر الفوائد ١ : ١٠٦ ـ ١٠٧.
(٢) جامع المقاصد ٥ : ١٤.