ضروب الإنشاء ، فإنك تخاطب الشيخ المرئي في الظلام إذا احتملت أن يكون إنسانا يفهم الكلام ، والأعمي يلحّ في السؤال باحتمال وجود سامع يرجى منه النوال.
ويرشد إلى كونه امرا اعتذاره من استعلائه وتوجيهه الأمر إليه إذا انكشف له أنه غير عبده ، ومن ذلك يظهر الوجه في عدّ العبد عاصيا إذا خالفه.
وأما انحصار الطلب في الأقسام الثلاثة فما هو إلاّ حصره فيها بحسب مراتب الطالب ، لا بحسب الجهات التي يصدر منها الطلب ، وقد يصدر ممّن تجب طاعته لا من حيث وجوب الطاعة ، ولذا لا يكون أمرا. وقد سمعت قوله صلّى الله عليه وآله : « لا بل أنا شافع » (١).
وكما ينقسم بحسب المرتبة إلى الأقسام الثلاثة تنقسم الشفاعة إليها أيضا وإن (٢) كان اللفظ منصرفا لدى الإطلاق إلى شفاعة الأعلى لغيره. ولو ثبت وجوب قبول شفاعة النبي فلا بدّ أن يكون لدليل آخر غير قوله تعالى : ( وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٣) ونحوه.
ومن هذا يظهر وجه النّظر فيما قرره أخوه ـ العلاّمة ـ في خبر بريرة ، وهذا لفظه : « فنفى الأمر وأثبت الشفاعة وهي للندب » (٤).
وفيما ذكره الفاضل القمي من أنّ « دلالة الأمر على الاستعلاء يقتضي
__________________
(١) سنن الدار قطني ٣ : ٢٩٤ ـ ١٨٣ ، صحيح البخاري ٧ : ٦٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٧١ ـ ٢٠٧٥.
(٢) ولذا لا يطلق الشافع على من صلّى الله عليه وآله صلّى الله عليه وآله فهي كالأمر يختص بالعالي مع اشتراكها مع الدعاء بحسب الحقيقة.
ومنه يتضح الجواب عن استدلال المعتزلة على أنّ الشفاعة لا تكون في طلب زيادة الثواب ، وإلاّ لزم أن نكون شفعاء للنبي صلّى الله عليه وآله إذا صلّينا عليه ، وقد وقع في بحث الشفاعة من كتاب التجريد وبعض شروحه ما لا يخلو عن تأمل ، فراجع. ( منه ).
(٣) النساء : ٥٩.
(٤) الفصول الغرويّة : ٦٣.