وفيه أولا ، لا وجه للقول بالصحّة على مذاقه ، فإنّ زمان الخروج زمان المعصية فعلا وإن كان زمان النهي سابقا ، كما ستعرف » (١).
حقّا أقول : لو لا علمي بأنّ هذه الجملة من كلام هذا الفاضل ، ونقلي لها من كتابه ، لتوهّمت أنّه كلام من لم ير كتاب الفصول في هذه المسألة ، ولم يقرع صماخ سمعه مختار صاحبه.
ولو جرى ـ طاب ثراه ـ على عادته غالبا من نقل تمام كلامه لما بقي له محل لهذا الاعتراض ، لأنه أوضح جوابه فيه بأتم بيان ، بعد ما أعطى الاعتراض حقّه من التوضيح ، فراجع ما نقلناه من قوله : « تأثير النهي في البطلان » (٢) تعرف صحّة ما قلناه.
ولقد تكرّر من أول البحث إلى هذه الغاية أنّ المنافي للأمر هو النهي في مرتبة بعثه وتقاضيه العدم ، وبعد سقوطه عنها لا يبقى إلاّ المبغوضيّة الذاتيّة ، وكثير من موارد الأوامر التشريعيّة ـ إن لم يكن أكثرها ـ من هذا النمط ، أليس الرّجل الغيور يأمر الطبيب بكشف بدن زوجته ومسّه إذا توقف عليهما العلاج ، والوالد البارّ بولده يأمر بضربه للتأديب؟ إلى غيرهما.
وبالجملة فمن أوضح الأشياء أنّ المبغوضية الذاتيّة لا تنافي المحبوبيّة التشريعيّة بل التكوينيّة ، ولذا يقدم على تجرّع مرّ الدواء لمصلحة الإبلال (٣) من الداء.
وبالجملة النهي لا يقتضي الفساد بذاته بل باقتضائه الترك ، فلو نهيت عبدك عن التردّي من الجبل فتردّى ، وسقط النهي عن تأثيره لارتفاع التمكّن ، فهل تجد مانعا من أمره بأن يوجّه يمينه نحو الشمال ويحرك شماله حال السقوط؟
__________________
(١) مطارح الأنظار : ١٥٧.
(٢) الفصول الغرويّة : ١٣٩.
(٣) أي : الشفاء. الصحاح ٤ : ١٦٣٩ ، القاموس المحيط ٣ : ٣٣٧ ( بلل ).