أعاذ الله الفقه عن أمثال هذه الخرافات » (١).
صدق رحمه الله في جميع ذلك ، ولو زاد على التنديد والملام أضعاف ما فعل لكان في محلّه ولم يكن ملوما عليه ، فإنّ الظالم لم يحجر عليه إلاّ الخروج ، وهذا الفقيه حجر عليه ما لا تحصى من لوازم الحياة.
كلاّ إنّ الشرائع القاسية الوحشيّة لتأنف من ذلك ، فكيف بالحنيفيّة الإسلامية ، لعن الله الحجّاج ، فإنّه على غشمه وظلمه لم يحبس أحدا مثل هذا الحبس.
وأقول بعد ذلك : إنه لا يعقل الفرق في الحكم بين الغاصب الظالم وبين هذا المظلوم ، ولا بد أن يلزّا في قرن (٢) ، فإمّا أن يطلق له ما أطلق لذلك المحبوس أو يمضي حكم هذا الفقيه ، أو المتفقّه كما قال.
والوجه فيه ظاهر ، لأن تبديل الأوضاع إن كان حراما فلا بد أن لا يجوز إلاّ بمقدار الحاجة ولو من المحبوس ظلما لأنّ الضرورات تقدّر بقدرها ، وإن لم يكن حراما فلا حرج فيه على الغاصب أيضا.
ومن ذلك يظهر لك مواقع النّظر في كلام الفصول وغيره ، لأنا لو سلّمنا كون الصلاة عبارة عن حركات وسكنات ، فلا نسلّم حرمتها لما عرفت.
ولا نسلّم أيضا أنّ القيام في المكان المغصوب عين الغصب لأنّ الغصب ـ كما عرفت ـ مباين للأفعال ، والمنطبق على التصرّف فيه مطلق التحيّز ، وهو غير منطبق على شيء من أجزاء الصلاة ، كما قرّره في أول كلامه.
نعم يتمّ ما ذكره لو قلنا بحرمة تبديل الأكوان والأوضاع ، وقد عرفت المنع عنه.
ثم إنّ صاحبنا العلاّمة ـ دام توفيقه ـ حاول تصحيح الصلاة بوجه آخر
__________________
(١) جواهر الكلام ٨ : ٣٠٠.
(٢) اللزّ الشد. يقال : لزّه شدّه وألصقه. والقرن ـ بالتحريك ـ : الحبل. لسان العرب ٥ : ٤٠٥ و ١٣ : ٣٦٦.