معنى فإنّ القليل منه ككثيره » (١).
وليس استدلالنا بفهمهما من حيث إنّهما من أهل اللغة كما صنعه غيرنا فأورد عليهما بأنّهما مجتهدان في ذلك ، ولا يكون اجتهادهما حجّة على غيرهما ، ولو سلّم كون ذلك نقلا عن أهل اللغة فهو من نقل الآحاد.
وهذا الاستدلال والجواب كما يقال في المثل : أساء سمعا فأساء إجابة (٢) ، لأنك قد عرفت من الّذي قرّرناه أنّ المفهوم إنّما ينافي من ناحية المعاني لا الألفاظ ، والدال عليه نفس التخصيص لا اللفظ الدالّ عليه ، ولهذا لا يختص بهذه اللغة المباركة ، بل يجري في سائر اللغات ، بل يفهم ولا لفظ كما في الإشارة إذا فهم منها التخصيص ، بل من حيث إنّهما من أهل العرف.
وكذلك فهم القاسم بن سلاّم (٣) من قوله صلّى الله عليه وآله : ( ليّ (٤) الواجد يحل عقوبته ) (٥) أنّ ليّ غير الواجد لا يحلّ عقوبته ، ومن قوله صلّى الله عليه وآله : ( مطل الغني ظلم ) (٦) أنّ مطل المعدم ليس بظلم (٧) ، إلى غير ذلك ممّا لو استقصيناه ملأت أوراقا بل دفاتر.
وإن وجد المنكر للمفهوم سبيلا للمقال في استدلال مثبتيه بنحو : اشتر لي عبدا أسود. ونحوه ، فقال : إنّ عدم شراء غير الأسود إنّما هو لعدم شمول
__________________
(١) حكاه في الفصول الغرويّة : ١٥٢ وهداية المسترشدين : ٢٩٨.
(٢) راجع مجمع الأمثال للميداني ١ : ٣٣٠ ـ ١٧٧٣.
(٣) أبو عبيد القاسم بن سلاّم أحد أئمة اللغة والأدب ، من تصانيفه : الأمثال السائرة ، الناسخ والمنسوخ ، فضائل القرآن. توفي سنة ٢٢٤ بمكة. الفهرست لابن النديم : ٧٨ ، معجم المؤلّفين ٨ : ١٠١ ـ ١٠٢.
(٤) الليّ : المطل. النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٨٠.
(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٣١٣ ـ ٣٦٢٨ ، سنن النسائي ٧ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨١١ ـ ٢٤٢٧ ، مسند أحمد ٤ : ٢٢٢ و ٣٨٨ و ٣٨٩ ، مستدرك الحاكم ٤ : ١٠٢.
(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ و ١٢٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٧ ـ ١٥٦٤ ، موطأ مالك ٢ : ٦٧٤ ـ ٨٤.
(٧) غريب الحديث ـ للهروي ـ ٢ : ١٧٣ ـ ١٧٥.