وأورد عليه الشيخ ـ طاب ثراه ـ بما حاصله : منع عدم كون قبح التجرّي ذاتيا ، بل هو ذاتي كالظلم ، بل هو قسم منه ، فيمتنع عروض الصفة المحسّنة له ، ومع تسليمه فلا شك في كونه مقتضيا له ، فيبقى على قبحه ما لم يعرض له جهة محسّنة وهي منتفية في المقام (١).
وقال أيضا : إنّ التجري إذا صادف المعصية الواقعية تداخل عقاباهما (٢).
وأورد عليه : بأنه لا وجه للتداخل ، مع كون التجرّي عنوانا مستقلا في استحقاق العقاب ، لأنه إن أراد وحدة العقاب فهو ترجيح بلا مرجّح ، وإن أراد به عقابا زائدا على محض التجرّي فهذا ليس تداخلا ، لأنّ كلّ فعل اجتمع فيه عنوانان من القبح يزيد عقابه على ما كان فيه أحدهما (٣).
أقول : أما كلامه الأول فلو شئنا تفصيل القول فيه ، لأفضى بنا إلى الإطالة ، ويكفي أن نقول : إنّ الّذي دعاه إلى هذا التفصيل هو الوجدان الحاكم بالفرق بين التجرّي بترك ما كان حراما في الواقع وبين التجرّي بغيره ، كما يظهر من الأمثلة الثلاثة (٤) التي ذكرها ، وهذا ما جنح إليه الشيخ بنفسه ، بل اعترف به ، وقال قبل ما نقله عن ( الفصول ) بلا فصل ، ما نصّه :
« الظاهر أنّ العقل يحكم بتساويهما ـ من صادف قطعه الواقع ومن لم
__________________
(١) فرائد الأصول : ٦.
(٢) الفصول الغرويّة : ٨٧.
(٣) فرائد الأصول : ٧.
(٤) [ الأمثلة الثلاثة هي ] :
١ ـ لو اشتبه عليه مؤمن ورع عالم بكافر واجب القتل ، فحسب أنه ذلك الكافر فتجرّى ولم يقتله.
٢ ـ لو جزم بوجوب قتل نبي أو وصي فتجرّى ولم يقتله.
٣ ـ أمر عبده بقتل عدوّه فصادف ابنه ، وزعمه ذلك العدوّ ، فتجرّى ولم يقتله. ( منه ). وانظر الفصول الغروية : ٤٣١ ـ ٤٣٢.