ليس كون التجري على قسمين ، فمنه قبيح ، ومنه غير قبيح حتى يتوجه عليه أنّ التجرّي قبيح ذاتا ، ولا أقلّ من كونه مقتضيا للقبح ، بل المراد أنّ الفعل المتجرّى به يجتمع فيه عنوانان : قبيح وهو التجرّي ، وحسن وهو الصلاح الواقعي فيقع بينهما الكسر والانكسار على ما هو المطّرد في سائر الموارد ، وهذا هو مبنى اعتراضه على تعدّد العقاب ، فالتجرّي بما هو تجرّي قبيح ذاتا لم يتغيّر عمّا كان عليه ، وإنما عرض للفعل عنوان آخر مزاحم لجهة التجرّي ، فكان اللازم منه ما عرفت.
وأمّا تداخل العقابين ، فلا شك أنّ من العناوين المبغوضة ما يكون مقدّمة لما هو أشدّ مبغوضيّة وقبحا ، فعلى تقدير ترتّبه عليها لا يلاحظ إلاّ بلحاظ المقدّمية المحضة ، ولا يوصف إلاّ بالحرمة الغيريّة ، ويكون مبغوضيّتها وعقابها مندكّين فيه ويندمجان فيه اندماج الضعيف في الشديد ، فلا يعدّان إلاّ فعلا واحدا ، بخلاف ما إذا لم يترتب عليها ، فإنّها تستقلّ حينئذ بنفسها ، وتعدّ مبغوضا مستقلا يترتب عليها ما أعدّ لها من العقاب.
وهذا أمر وجداني له نظائر كثيرة في العرف والشرع ، فمن زنى بامرأة لا يحكم عليه باللحاظ الأوّلي إلاّ بارتكاب كبيرة واحدة وإن سبقه مس العورة منها ونحوه ، ولا يقام عليه إلاّ حدّ واحد ، بخلاف ما إذا لم يترتب عليه ، فإن المس وغيره من المقدّمات واللوازم المحرّمة يعاقب عليها ويعزّر ، ولا يجمع عليه ـ في صورة ترتب الفعل ـ بين الحدّ والتعزير.
ومثله : قتل المؤمن بالسيف ، إذ لا معنى له إلاّ جرحه جرحا يفضي إلى إفاظة (١) نفسه ، فمن ارتكب ذلك فلا يقتصّ منه إلاّ للنفس وإن أخذت منه الدية فلا يؤخذ منه إلاّ دية واحدة ، ولا يتوب إلاّ عن ذنب واحد ، ولا يترتب عليه أثر
__________________
(١) فاظت نفسه : خرجت روحه. الصحاح ٣ : ١١٧٦ ( فيظ ).