ولم يقل بهذا الترتّب ، ولكن ما ذكره من تصحيح الأمر بالمتناقضين فلا أدري من المصحّح ، ولا كيف الطريق إليه ، وأقصى ما يطمع فيه القائل بالترتّب تصحيح مثل قوله : أزل (١) ، وإن عصيت فصلّ.
وأما الأمر بالنقيضين ، وما هما سوى الوجود والعدم ، وتصحيح قوله : افعل ، وإن عصيت فلا تفعل ، ونحوه ، فلا يعقل صدوره من عاقل (٢) ، وينبغي التأمل في مراده منه.
ثم أقول : مبنى الترتّب هنا على تأخّر عنوان الشك في الحكم عن أصل الحكم ، وقد جعله هذا الأستاذ عنوان أنّه مما قامت عليه الأمارة ، فان رجع إلى ما قرّرناه فذاك ـ ويأتي من كلامه ما هو كالصريح في خلافه ـ وإلاّ فليس من الترتب الّذي نقول به في شيء ، ويكون أكثر ما أفاده بمعزل عمّا نقول ، ونحن على الحياد في نزاعه مع من قرّر الترتّب بهذا التقرير ، وإن شاء دخلنا معه في منازعته ، وشرعنا أسنة الألسن الحداد ، وفوّقنا سهام الانتقاد على من يزعم الفرق بين الموضوعين بالإطلاق والتقييد ، ويرى أنّ الفساد في المقيّد لا يؤول إلى الكسر والانكسار مع المصلحة في المطلق ، والّذي يذهب إليه أهل هذا المذهب لا يتوجه عليهم شيء ممّا ذكره ردّا ، ولا يحتاجون إلى ما دافع به عنهم انتصارا ، لأنّ مقتضى المقدّمات السابقة عدم اجتماع الحكمين في الوجود الذهني الّذي هو محطّ الطلبين ، لا في مرتبة واحدة ولا في مرتبتين ، ولذلك بعينه لا يقع الكسر والانكسار بينهما في جهات الحبّ والبغض ، إذ المفسدة التي تزاحم مصلحة الصلاة إنّما هي ما كانت من قبيل إيقاعها في معاطن الإبل ومرابض الغنم ممّا يمكن أن يتصف بها في هذه الرتبة ، لا مثل كونها مشكوك الحكم الواقعي الّذي هو متأخر عنه في اللحاظ ، ولا يعقل تصوره مع تصور موضوع الواقعي ، فإذن يتعلق
__________________
(١) أي أزل النجاسة عن المسجد.
(٢) ولعلّه يرى ذلك لازم القول بالترتّب ، مع القول باقتضاء الأمر النهي عن الضدّ ، فليتأمّل. ( منه ).