وأشار بقوله : « حسب ما مرّ تفصيل القول فيه » إلى ما ذكره سابقا في مقدّمات هذا المطلب ، حيث قال في المقدّمة الرابعة من تلك المقدمات : « إنّ المناط في وجوب الأخذ بالعلم ، وتحصيل اليقين من الدليل ، هل هو اليقين بمصادفة الأحكام الواقعية الأوّلية إلاّ أن يقوم دليل على الاكتفاء بغيره أو أنّ الواجب أوّلا هو تحصيل اليقين بتحصيل الأحكام ، وأداء الأعمال على وجه أراده الشارع في الظاهر ، وحكم معه بتفريغ ذمّتنا بملاحظة الطرق المقرّرة لمعرفتها بما جعلها وسيلة للوصول إليها ، سواء علم بمطابقة الواقع أو ظنّ ذلك أو لم يحصل شيء منها؟ وجهان ، الّذي يقتضيه التحقيق : الثاني ، فإنّه القدر الّذي يحكم العقل بوجوبه ، ودلّت الأدلّة المتقدّمة على اعتباره ، ولو حصل العلم بها على الوجه المذكور لم يحكم العقل بوجوب تحصيل العلم بما في الواقع ، ولم يقض شيء من الأدلّة الشرعية بوجوب تحصيل شيء آخر وراء ذلك ، بل الأدلّة الشرعيّة قائمة على خلاف ذلك ، إذ لم يبن الشريعة من أول الأمر على وجوب تحصيل كلّ من الأحكام الواقعية على سبيل القطع واليقين ولم يقع التكليف به حين انفتاح سبيل العلم بالواقع ، وفي ملاحظة طريقة السلف من زمن النبي صلّى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كفاية في ذلك ، إذ لم يوجب النبي صلّى الله عليه وآله على جميع من في بلده من الرّجال والنسوان السماع منه في تبليغ الأحكام ، أو حصول التواتر لآحادهم بالنسبة إلى آحاد الأحكام ، أو قيام القرينة القاطعة على عدم تعمّد الكذب ، أو الغلط في الفهم ، أو في سماع اللفظ ، بل لو سمعوه من الثقة اكتفوا به » انتهى.
ثم شرع في إبطال دعوى حصول العلم بقول الثقة مطلقا إلى أن قال : « فتحصّل ممّا قررناه أنّ العلم الّذي هو مناط التكليف أوّلا هو العلم بالأحكام من الوجه المقرّر لمعرفتها والوصول إليها ، والواجب بالنسبة إلى العمل هو أداؤه على وجه يقطع معه بتفريغ الذّمّة في حكم الشرع سواء حصل العلم بأدائه على