كما سمعته من صاحب ( الهداية ) وسوف تسمع منّا توضيحه ـ إلى الواقع والطريق المعتبر معا فلا بدّ أن تنقسم الطرق إلى مظنونة الاعتبار ، وإلى ما ليست بمظنونة ، فالأحكام إلى فعلية وإلى غيرها ، ولا شك أنّ مجرّد الظن بالواقع ليس ظنّا بالحكم الفعلي ، وبعبارة أخرى : ليس بحكم تقوم الحجّة عليه ، ولا بدّ من قيام الظن بها مقام العلم في تنجّز الواقعيات بحكم العقل ، كما يظهر من المقدّمات التي ذكرها ـ طاب ثراه (١) ـ فراجع نفسك ثم إنصافك فيما إذا حصل لك الظن بحرمة عصير التمر من قياسه بعصير الزبيب ، وفيما إذا حصل من رواية زيد النرسي الّذي ظننت صحة أصله : ( حرمة عصير الزبيب ) (٢).
ألست ترى ظنك من القياس ظنّا لا يمكن أن يحتجّ به الشارع عليك ، بل يكون لك الحجة إذا شربته بنهيه عن القياس ، وتنزيله بمنزلة العدم بخلاف الثاني ، فإنّه ظنّ بحجّة شرعية ينزّله العقل منزلة العلم ، ويراه حجّة قاطعة حال الانسداد.
وهذا المعنى هو الّذي يعبّر عنه ـ طاب ثراه ـ تارة بالفراغ بظاهر الشرع ، وتارة بتفريغ الذّمّة عند الشارع ، أو في حكم الشارع ، وثالثة بحكم المكلّف (٣) ، فانظر إلى الاعتراض الآتي من أنّ الحكم بالبراءة ليس من وظيفة الشارع ، ما أسمجه وأبعده من مرام هذا الإمام ، وإلى قولهم : إنّ التقييد بالطريق تصويب ، فهل تراه بهذا المعنى إلاّ عين التخطئة التي يقول بها أهل الحق ، وهل ترى بعد هذا البيان موقعا للتكليف الفعلي بالواقع حتى يعدّ طرفا للعلم الإجمالي أو يعدّ في مقابل الظنّ بالطريق فضلا عن أن يقدّم عليه؟!.
__________________
(١) انظر : هداية المسترشدين : ٤٠١.
(٢) أصل زيد النرسي : ٥٨ ، ومستدرك الوسائل ٣ : ١٣٥ ، الباب ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ( الطبع الحجري ) و ١٧ : ٣٨ ، الباب ٢ ، الحديث ١ ( الطبع الحديث ).
(٣) انظر هداية المسترشدين : ٣٩١.