ونقول في ختام هذه المقدّمات ما يلزمك التنبّه له وهو : أنّ أكثر الاعتراضات الموردة على كلام هذا الإمام ـ ولم أبعد عن الحق إن قلت : جميعها ـ ما نشأ إلاّ عن أمرين :
أحدهما : جعل مقدمات هذا الدليل عين مقدّمات دليل الانسداد المشهور ، وعدّه نتيجة له ، ولقد كرّرنا حتى كدنا أن تملّ القرّاء الكرام أنّ هذا دليل على بطلان ذلك الدليل لا أنّه نتيجة له.
وثانيهما : الغفلة عن أصل المدّعى الّذي صدّر كلامه ببيانه ، وعن سائر الوجوه التي ذكرها لإثباته ، فربما ترك توضيح أمر أو بيان مقدّمة ، لاعتماده على ما حقّقه في موضع آخر ، وما كتاب ( الهداية ) عند أهل ملّة العلم إلاّ قرآن هذا الفن ، يفسّر بعضه بعضا ، ولو لا مخافة الشطح (١) في المقال لقلت : وأهل البيت أدرى بما فيه ، وأعلم بظاهره وخافيه.
رجع ـ مدّعى هذا الرّجل العظيم وشقيقه انحصار الحجّة في زمن غيبته عليه السلام في الثقلين ، الذين أمرنا بالتمسك واستفادة الأحكام منهما ، ونهينا من العدول عنهما ، لا يقوم بغيرهما حجّة ، ولا يهتدى بغيرهما إلى المحجة ، أمّا المدّعى فهذا الحق الأبلج ، وأمّا الدليل عليه فهو هذه الحجج أزاح بها عنه غياهب (٢) الخفاء ، وتركه أجلى من ابن ذكاء (٣).
فلنعطف عنان القلم نحو شرح ما يلزم من كلامه ، ثم النّظر فيما أورد عليه ، ونبدأ ببيان مراده من قوله : أولا ، في قوله : « والواجب عليه أولا هو تحصيل
__________________
(١) الشطح : الخروج عن جادة الاعتدال.
(٢) الغيهب : الظلمة. القاموس المحيط ١ : ١١٦.
(٣) ذكاء ـ بالضم ـ : اسم الشمس ، ويقال للصبح : ابن ذكاء لأنه من ضوئها. لسان العرب ١٤ : ٢٨٧ ( ذكا ).