ونحن نعرّفه وأصحابه بمراد العلاّمة الجدّ ، وشقيقه ، وعديله ( الثلاثة المتناسبة ) ونقول : إنّ هؤلاء الأعلام لم يأتوا ببدع من القول ولا ببدعة في الدين ، بل جروا على سنّة أسلافهم الصالحين من حصر الحجّة في كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم وآثار أئمّتهم ، وتجنّبوا مزالق الظن والتخمين ، ولما فشا في زمانهم الكلام على هذا الدليل ، البالغ حدّ الفساد ، المعروف بدليل الانسداد ، وكاد أن يتسع الخرق على الراقع ، ويقوم ما لا يغني عن الحق شيئا مقام قول الشارع ، فيفتح بهذا الانسداد أبواب البدع والأهواء ، ويقول في الدين من شاء ما شاء ، ويتعلّق كلّ مبدع بأهدابه ، ويدخل ما ليس من الدين فيه من بابه ، قاموا في نصرة الحق أتمّ قيام ، وأوضحوا لشيعة أهل البيت عليهم السلام أنّ التمسك بمطلق الظن في معرفة الأحكام إنّما يتمّ على مذهب المخالفين المصوبة الذين يجعلون حكم الله تابعا لآراء المجتهدين ، وما الكتاب والسنّة عندهم إلاّ كسائر موجبات الظن ، وأمّا الفرقة الناجية ـ أعلى الله كلمتها ـ الذاهبة إلى أنّ لله في كلّ واقعة حكما ، والطريق إليه منحصر في الحجّة الشرعية ، لا تكليف بغير مؤدّياتها ولا يحتج على العباد بغيرها ، كما مرّ مفصّلا في كلام ( الفصول ) وغيره ، فلا شك أنّ الوظيفة لو فرض بعد انسداد باب العلم إلى معرفتها ، هي تعيينها بالظن ، والظن بها مقدّم على الظن بالواقع ، ومنزلتها منه منزلة الدليل من الأصل على ما بيّناه من الدرجات ـ أعلى الله درجاتهما ـ في كلامهما المتقدم ، فلا يعوّل على الظن بالواقع إلاّ مع عدم التمكن من الظن بها ، بل لا يبعد القول بتقديم الطريق الموهوم على الواقع المظنون ، والوجه فيه ظاهر للمتأمّل.
نعم ، بعد اليأس من الطريق يرجع إلى الظن به لو علم ببقاء التكليف ، ولا يعلم.
ومن الغريب اعتراض هذا العالم ، وغيره على صاحب ( الفصول ) من أنّ اللازم من مذهبه عدم الرجوع إلى الواقع مطلقا! وما ذلك إلاّ الغفلة عن هذا