أو لكون اللفظ بعضا لكلمة أخرى كما في صنعة الجمع بين الاكتفاء (١) والتورية ، إلى غير ذلك من الأسباب التي تفنّن فيها المتأخرون من أهل البديع ، فأحسنوا فيها كلّ الإحسان.
ومن أغرب ما أذكره الآن ، قول أحدهم : « قلب بهرام ما رهب » فقد استعمل الكلمة الأولى في معنيين ، ثم جمع في الكلمتين الأخريين بين استعمال اللفظ في نفسه وفي معناه ـ على ما يقولون ـ فصار لمجموع الكلام معنيان مختلفان.
ولعمري لقد أحسن فيه ، وأرتج (٢) باب التأويل بالمسمّى على أصحابه ، ومثله قول القائل : « وكل ساق قلبه قاس ».
وقول القائل (٣) من أهل العصر ـ كان الله له ـ : ( من مخلّع البسيط )
قد نقط الخال دال صدغ |
|
منك كجنح الغراب حالك |
كم خطّ كفّ الجمال ذالا |
|
وما رأينا شبيه ذلك (٤) |
ولئن ضيّق بعضهم نطاق التورية من هذه الجهة فقد توسّع في الشواهد عليها بما لا مساس له بها أصلا فذكر منها شواهد إيهام التورية والمغالطة والتوجيه وغيرها من ضروب الصناعة.
__________________
(١) الاكتفاء في الصناعة أن يأتي [ الشاعر ] ببيت قافيته بعض الكلام أو الكلمة ، وشاهده مع التورية قول ابن مكانس :
أفدي الّذي قد جاءني زائرا |
|
مستوفرا مرتكبا للخطر |
فلم يقم إلاّ بمقدار ما |
|
قلت له أهلا وسهلا ومر ( حبا). |
( منه رحمه الله ).
(٢) أرتج : أغلق. الصحاح ١ : ٣١٧ ، القاموس المحيط ١ : ١٩٠ ، مجمع البحرين ١ : ٣٠٢ ( ترج ).
(٣) معطوف على قول القائل ، أي : ومثله قول القائل من أهل العصر ... والمراد من تلك العبارة [ قول القائل من أهل العصر ] في أي موضع وقعت من الكتاب ، نفس المصنّف. ( مجد الدين ).
(٤) راجع ديوانه المطبوع : ١٠٧ ـ ١٠٨.