يتبيّن لنا بعد الفحص ما يوجب جوازه ، ومجرّد إطلاق الوضع ـ على تقدير تسليمه ـ مدفوع بعدم مساعدة الطبع عليه ، فقضيّة كون الأوضاع توقيفيّة ، الاقتصار على القدر المعلوم » (١) انتهى.
ولا أدري كيف لا يسلّم إطلاق الوضع ، مع أنّ اعتبار قيد الوحدة في المعنى ممّا يقطع بخلافه كما يعترف به ، وكون الموضوع له في حال الوحدة لا يقضي إلاّ بعدم كون الآخر موضوعا له بهذا الوضع ، ويتبعه عدم صحّة الاستعمال به ، ولا يوجب ذلك عدم وضع آخر وإلاّ لامتنع الاشتراك ، ولا عدم صحة الاستعمال بملاحظة الوضع الآخر.
وما أبعد بين ما أوضحناه لك من حسن هذا النحو من الاستعمال ، وكونه مبنى كثير من نكات صناعة البديع ، وبين ما يدّعيه من عدم مساعدة الطبع عليه.
ثمّ إنّ توقيفيّة الأوضاع لا يوجب توقيفيّة الاستعمال ، وإني لأعجب من استدلال مثله رحمه الله بمثل هذا في مسألتنا هذه ، وهي لغويّة محضة ، لا شرعية يتأتّى فيها لزوم الاحتياط.
ومنها : ما ذكره أيضا من عدم تحقّق مثل هذا الاستعمال في لغة العرب قديما وحديثا مع مسيس الحاجة إليه ، وعدم الوجدان بعد الاستقراء يدلّ على عدم الوجود ، وهو يورث ظنّا قويّا بعدم الجواز إن لم يوجب العلم به ، والظنّ حجّة في مباحث الألفاظ (٢) انتهى.
وقد عرفت ثبوت الاستعمال على هذا النحو كثيرا ، وفي دعوى عدم الجواز ما تقدّم في سابقه ، وفي المراد من حجيّة الظن في هذا المورد وأمثاله خفاء وغموض.
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٥٥.
(٢) الفصول الغروية : ٥٤ ـ ٥٥.