فقط من غير لحاظ الانفراد والتعدّد ، فضلا عن لحاظ الوضع الواحد أو الوضعين ، ولا الحرف إلاّ على التعدّد من غير دلالة على أنّ التعدّد بوضع واحد أو وضعين ، فإذا أتبعته بقولك : سحّارة وخرّارة (١) فقد أزحت الإجمال عن اللفظ ، وأعلمت السامع باستعمالك اللفظ في المعنيين ، ولم تخرج بذلك عن معنى الحرف ، ولم تستعمله في غير ما وضع لأجله ، والوجدان السليم يكفي المنصف شاهدا على ذلك ، إذ لا ترى في قولك : رأيت عينين سحارة وخرّارة. تكلّفا ولا تأويلا أصلا ، بل لا ترى فرقا بين قولك هذا ، وبين قولك : رأيت عينين جاريتين. إلاّ أنّ الأول ألطف في الذوق ، وأبدع في السمع ، وعليه جرى الحريري في مقاماته ، فقال ـ من الخفيف ـ :
جاد بالعين حين أعمى هواه |
|
عينه فانثنى بلا عينين (٢) |
ولعمري لقد أحسن ، وأخطأ من خطّأه في ذلك ، وعليه يجري كثير من بديع أمثلة التوشيع (٣) ، كقول الصفي الحلّي :
رأيت بدرين من وجه ومن قمر |
|
في ظلّ جنحين من ليل ومن شعر (٤) |
بناء على ما يذهبون إليه من كون استعمال البدر في الوجه مجازا ، وأنّ المجازات لها أوضاع نوعيّة ، لا على ما حقّقناه سابقا.
وقول بلديّة (٥) السيّد حيدر رحمه الله في رثاء الحسين عليه السلام :
فظاهر فيها بين درعين نثرة |
|
وصبر ودرع الصبر أقواهما عرى (٦) |
__________________
(١) الخرير : صوت الماء ، ومنه عين خرّارة. الصحاح ٢ : ٦٤٣ ( خرر ).
(٢) مقامات الحريري : ٨٠.
(٣) التوشيع في اصطلاح البديعيّين أن يأتي الشاعر باسم مثنّى ، ثم يأتي باسمين مفردين يفسران الأوّل. ( منه قدّس سرّه ).
(٤) ديوان صفي الدين الحلّي : ٧٢٣.
(٥) أي من بلده وموطنه ، لأنهما من أهل الحلّة من بلاد العراق. ( مجد الدين ).
(٦) ديوان السيد حيدر الحلّي ١ : ٨٠.