ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح ، إلا وجعل الحمام موعده ، والفناء غايته . . .
ويصف النملة والجرادة
ـ نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٥
١٨٥ ومن خطبة له عليهالسلام : . . . . ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة ، لرجعوا إلى الطريق ، وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة ، والبصائر مدخولة .
ألا تنظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر ، وسوى له العظم والبشر . أنظروا إلى النملة في صغر جثتها ، ولطافة هيئتها ، لا تكاد تنال بلحظ البصر ، ولا بمستدرك الفكر ، كيف دبت على أرضها ، وصبت على رزقها ، تنقل الحبة إلى جحرها ، وتعدها في مستقرها ، تجمع في حرها لبردها ، وفي وردها لصدرها ، مكفولة برزقها ، مرزوقة بوفقها ، لا يغفلها المنان ، ولا يحرمها الديان ، ولو في الصفا اليابس ، والحجر الجامس .
ولو فكرت في مجاري أكلها ، في علوها وسفلها ، وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرأس من عينها وأذنها ، لقضيت من خلقها عجباً ، ولقيت من وصفها تعبا . فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، لم يشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه في خلقها قادر .
ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ، ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة ، لدقيق تفصيل كل شئ ، وغامض اختلاف كل حي ، وما الجليل واللطيف ، والثقيل والخفيف ، والقوي والضعيف ، في خلقه إلا سواء ، وكذلك السماء والهواء ، والرياح والماء . فانظر إلى الشمس والقمر ، والنبات والشجر ، والماء والحجر ، واختلاف هذا الليل والنهار ، وتفجر هذه البحار ، وكثرة هذه الجبال ، وطول هذه القلال ، وتفرق هذه اللغات ، والألسن المختلفات .