عن سقيمها وجيّدها عن رديئها ، وعلى علم المنطق لمعرفة صحّة الدليل وسقمه.
ولكن كل ذلك بالمقدار اللاّزم في الاستنباط لا بنحو الاحاطة التامّة ، فلو لم يكن الانسان عارفاً بهذه العلوم كذلك ، أو كان عارفاً ببعضها دون بعضها الآخر ، لم يقدر على الاستنباط ، إلاّ أنّ وقوعها ودخلها فيه لا يكون بنفسها وبالاستقلال ، بل لا بدّ من ضم كبرى اصولية وبدونه لا تنتج نتيجة شرعية أصلاً ، ضرورة أنّه لا يترتّب أثر شرعي على وثاقة الراوي ما لم ينضم إليها كبرى اصولية وهي حجية الرواية ، وهكذا.
وبذلك قد امتازت المسائل الاصولية عن مسائل سائر العلوم ، فان مسائل سائر العلوم وإن كانت تقع في طريق الاستنباط كما عرفت ، إلاّ أنّها لا بنفسها بل لا بدّ من ضم كبرى اصولية إليها ، وهذا بخلاف المسائل الاصولية ، فانّها كبريات لو انضمت إليها صغرياتها لاستنتجت نتيجة فقهية من دون حاجة إلى ضم كبرى اصولية اخرى.
ومن هنا يتّضح أنّ مرتبة علم الاصول فوق مرتبة سائر العلوم ، ودون مرتبة علم الفقه ، وحدّ وسط بينهما.
كما أنّه يظهر أنّ مبحث المشتق ، ومبحث الصحيح والأعم ، وبعض مباحث العام والخاص ، كمبحث وضع أداة العموم ، كلّها خارجة عن مسائل هذا العلم ، لعدم توفر هذا الشرط فيها ، إذ البحث في هذه المباحث عن وضع ألفاظ مفردة مادةً كما في بعضها ، وهيئةً كما في بعضها الآخر ، ومن الواضح جداً أنّه لا تترتب آثار شرعية على وضعها فقط ، مثلاً أيّ أثر شرعي يترتب على وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ بالفعل أو للجامع بينه وبين المنقضي عنه المبدأ ، وعلى وضع أسامي العبادات أو المعاملات لخصوص المعاني الصحيحة أو للأعم منها ومن الفاسدة ، وعلى وضع الأدوات للعموم مثلاً من دون أن تنضم إليها مسألة