ومن هنا قد أجاب شيخنا المحقق قدسسره عن الاشكال بجواب آخر وإليك نصّه : التحقيق أنّ المفهومين المتضائفين ليسا متقابلين مطلقاً بل التقابل في قسم خاص من التضائف ، وهو ما إذا كان بين المتضائفين تعاند وتناف في الوجود ، كالعلية والمعلولية والابوّة والبنوّة ممّا قضى البرهان بامتناع اجتماعهما في وجود واحد ، لا في مثل العالمية والمعلومية والمحبية والمحبوبية ، فانّهما يجتمعان في الواحد غير ذي الجهات كما لا يخفى ، والحاكي والمحكي والدال والمدلول كاد أن يكون من قبيل القسم الثاني ، حيث لا برهان على امتناع حكاية الشيء عن نفسه كما قال عليهالسلام : « يا من دلّ على ذاته بذاته » وقال عليهالسلام : « أنت دللتني عليك » (١).
ولكن لا يمكن المساعدة عليه أيضاً ، وذلك لأنّ ما أفاده قدسسره من أنّ التقابل في قسم خاص من التضائف لا في مطلق المتضائفين وإن كان صحيحاً ، إلاّ أنّه أجنبي عن محل كلامنا هنا بالكلية ، فانّه في دلالة اللفظ على المعنى وهي قسم خاص من الدلالة التي لا يمكن أن تجتمع في شيء واحد ، لما بيّناه من أنّ حقيقة تلك الدلالة عبارة عن وجود اللفظ وحضوره في ذهن المخاطب أوّلاً وحضور المعنى ووجوده فيه بتبعه ثانياً ، فكل مخاطب بل كل سامع عند سماع اللفظ ينتقل إلى اللفظ أوّلاً وإلى المعنى ثانياً ، فحضور اللفظ علّة لحضور المعنى ، ومن البيّن الواضح أنّ ذلك لا يعقل في شيء واحد ، بداهة أنّ العلية تقتضي الاثنينية والتعدد فلا يعقل علية حضور الشيء في الذهن لحضور نفسه ، هذا بالقياس إلى المخاطب والسامع.
وأمّا بالقياس إلى المتكلم والمستعمل ، فحقيقة الاستعمال إمّا هي عبارة عن إفناء اللفظ في المعنى فكأ نّه لم يلق إلى المخاطب إلاّ المعنى ولا ينظر إلاّ إليه كما
__________________
(١) نهاية الدراية ١ : ٦٥.