وقد أجاب عنه المحقق صاحب الكفاية قدسسره (١) بما ملخصه مع أدنى توضيح : هو أنّ الاشكال المزبور مبتن على أن يكون الموضوع في القضيّة الحقيقية يحتاج في وجوده وحضوره في الأذهان إلى واسطة كاللفظ بالإضافة إلى المعنى ، فانّه واسطة لوجوده وحضوره وليس نفسه بموضوع للقضيّة ، بل هو لفظ الموضوع وحاك عنه ، فموضوعية اللفظ لها إنّما هي باعتبار أنّه الواسطة لإحضار ما هو موضوع فيها حقيقة ، نعم هو موضوع في القضيّة اللفظية.
وأمّا إذا فرض أنّ الموضوع في القضيّة الحقيقية لا يحتاج في وجوده وحضوره إلى الواسطة ، بل كان حاله حال بقية الأفعال الخارجية والموجودات الفعلية ، فلا يلزم محذور تركب القضيّة من جزأين ، ومقامنا من هذا القبيل ، فانّ الموضوع في مثل قولنا : زيد ثلاثي ، إذا اريد به شخصه ، شخص ذلك اللفظ الذي هو من الكيف المسموع لا أنّه لفظه ، ومن البيّن الواضح أنّ اللفظ لا يحتاج في وجوده في الذهن إلى أيّة واسطة لامكان إيجاده على ما هو عليه وإثبات المحمول له ، وعليه فالقضيّة مركبة من أجزاء ثلاثة : الموضوع وهو ذات اللفظ وشخصه ، والمحمول وهو ثلاثي ، مع النسبة بينهما.
وبتعبير آخر : أنّ كون الشيء موضوعاً في القضيّة باعتبار أنّ المحمول ثابت له ، فقد يكون المحمول ثابتاً لما يحتاج في وجوده وحضوره إلى الواسطة كالمعنى كما هو الحال في القضايا المتعارفة ، وقد يكون ثابتاً لما لا يحتاج في وجوده إلى الواسطة كاللفظ ، ولمّا كان الموضوع في المقام شخص اللفظ من جهة أنّ المحمول ثابت له ، فانّه سنخ حكم محمول عليه دون المعنى فلا يلزم المحذور المزبور ، فان لزومه هنا مبتن على أن لا يكون الموضوع هو نفس اللفظ ، وأمّا إذا فرض أنّه
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٥.