في القسم الرابع.
وكيف كان ، فالصحيح هو أنّ حال هذين القسمين حال القسمين الأوّلين من دون فرق بينهما أصلاً ، وبيان ذلك يحتاج إلى تقديم مقدمة : وهي أنّا قد ذكرنا فيما تقدّم (١) أنّ الحروف والأدوات موضوعة لتضييقات المفاهيم الاسمية وتقييدها بقيود خارجة عن حريم ذواتها ، فانّ الغرض قد يتعلق بتفهيم طبيعي المعنى الاسمي على إطلاقه وسعته ، وقد يتعلق بتفهيم حصّة خاصة منه ، وقد ذكرنا أنّ الدال على الحصّة ليس إلاّ الحروف أو ما يحذو حذوها.
وإن شئت فقل : إنّ الموجود الذهني ليس كالموجود الخارجي ، فانّه مطلقاً من أيّ مقولة كان لا ينطبق على أمر آخر وراء نفسه ، وهذا بخلاف المفهوم الذهني فانّه بالقياس إلى الخارج عن افق الذهن قابل لأن ينطبق على عدّة حصص ، ولكن الغرض يتعلق بتفهيم حصّة خاصة والدال عليه كما مرّ هو الحرف أو ما يشبهه.
وعلى ضوء ذلك فنقول : إنّ المتكلم كما إذا قصد تفهيم حصّة خاصة من المعنى يجعل مبرزه الحرف أو ما يقوم مقامه ، كذلك إذا قصد تفهيم حصّة خاصة من اللفظ يجعل مبرزه ذلك ، فالحرف كما يدل على تضييق المعنى وتخصيصه بخصوصية ما ، كذلك يدل على تضييق اللفظ وتقييده بقيود ما ، فانّ الغرض كما قد يتعلق بايجاد طبيعي اللفظ على ما هو عليه من الاطلاق والسعة يتعلق بتفهيم حصّة خاصة من ذلك الطبيعي كالصنف أو المثل ، فالمبرز لذلك ليس إلاّ الحرف أو ما يشبهه ، بداهة أنّه لا فرق في إفادة الحروف التضييق بين الألفاظ والمعاني ، فكلمة ( في ) في قولنا : زيد في ضرب زيد فاعل ، تدل على تخصص
__________________
(١) في ص ٨٣.