عنه هو معنى الوضع ، كان الوضع بإلهام إلهي أم لم يكن.
وأمّا الأمر الخامس : وهو استناده فيما ذكره من أنّ الله ( تبارك وتعالى ) هو الواضع الحكيم ، فلو تمّ فانّما يتم لو كان وضع الألفاظ لمعانيها دفعياً وفي زمان واحد ، إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك ، فان سعة دائرة الوضع وضيقها تتبع سعة دائرة الغرض وضيقها ، ومن الواضح أنّ الغرض منه ليس إلاّ أن يتفاهم بها وقت الحاجة وتبرز بها المعاني التي تختلج في النفوس لئلاّ يختل نظام حياتنا المادية والمعنوية ، ومن الظاهر أنّ كمّية الغرض الداعي إليه تختلف سعة وضيقاً بمرور الأيام والعصور ، ففي العصر الأوّل ـ وهو عصر آدم عليهالسلام ـ كانت الحاجة إلى وضع ألفاظ قليلة بازاء معان كذلك ، لقلّة الحوائج في ذلك العصر ، وعدم اقتضائها أزيد من ذلك ، ثمّ ازدادت الحوائج مرّة بعد اخرى وقرناً بعد آخر بل وقتاً بعد وقت ، فزيد في الوضع كذلك.
وعليه فيتمكن جماعة بل واحد من أهل كل لغة على وضع ألفاظها بازاء معانيها في أيّ عصر وزمن ، فانّ سعة الوضع وضيقه تابعان لمقدار حاجة الناس إلى التعبير عن مقاصدهم سعة وضيقاً ، ولما كان مرور الزمن موجباً لاتساع حاجاتهم وازديادها ، كان من الطبيعي أن يزداد الوضع ويتّسع.
أمّا الذين يقومون بعملية الوضع فهم أهل تلك اللغة في كل عصر ، من دون فرق بين أن يكون الواضع واحداً منهم أو جماعةً ، وذلك أمر ممكن لهم ، فانّ المعاني الحادثة التي يبتلى بها في ذلك العصر إلى التعبير عنها ليست بالمقدار الذي يعجز عنه جماعة من أهل ذلك العصر أو يعجز عنه واحد منهم ، فانّها محدودة بحد خاص.
وقد تلخّص من ذلك أمران :
الأوّل : أنّ أهل اللغة ليسوا بحاجة إلى وضع ألفاظها للمعاني التي تدور عليها