فما قيل : من أنّ الفرق بين الفاعل الموجب والفاعل المختار هو أنّ الأوّل غير شاعر وملتفت إلى فعله دون الثاني ، فلأجل ذلك قالوا إنّ ما صدر من الأوّل غير اختياري وما صدر من الثاني اختياري لا واقع موضوعي له أصلاً ، لما عرفت من أنّ مجرد العلم والالتفات لا يوجبان التغيير في واقع العلية بعد فرض أنّ نسبة الفعل إلى كليهما على حد نسبة المعلول إلى العلّة التامة.
وأمّا الدعوى الثانية : فقد ظهر وجهها ممّا عرفت من أنّ إسناد الفعل إليه تعالى إسناد إلى الفاعل المختار ، وقد تقدّم أنّ صدوره باعمال القدرة والسلطنة ، وبطبيعة الحال أنّ سلطنة الفاعل مهما تمّت وكملت زاد استقلاله واستغناؤه عن الغير ، وحيث إنّ سلطنة الباري ( عزّ وجلّ ) تامّة من كافّة الجهات والحيثيات ، ولا يتصور فيها النقص أبداً ، فهو سلطان مطلق ، وفاعل ما يشاء ، وهذا بخلاف سلطنة العبد ، حيث إنّها ناقصة بالذات فيستمدها في كل آن من الغير ، فهو من هذه الناحية مضطر فلا اختيار ولا سلطنة له ، وإن كان له اختيار وسلطنة من ناحية اخرى ، وهي ناحية إعمال قدرته وسلطنته ، وأمّا سلطنته تعالى فهي تامّة وبالذات من كلتا الناحيتين.
لحدّ الآن قد تبيّن : أنّ القول بالوجود المنبسط باطاره الفلسفي الخاص وبواقعه الموضوعي يستلزم الجبر في فعله تعالى ، ونفي القدرة والسلطنة عنه ، أعاذنا الله من ذلك.
الوجه الثاني : أنّ ما أفاده قدسسره من المعنى للحديث المذكور خلاف الظاهر جداً ، فانّ الظاهر منه بقرينة تعلّق الخلق بكل من المشيئة والأشياء تعدد المخلوق ، غاية الأمر أنّ أحدهما مخلوق له تعالى بنفسه وهو المشيئة ، والآخر مخلوق له بواسطتها.
وإن شئت قلت : إنّ تعدد الخلق بطبيعة الحال يستلزم تعدد المخلوق ،