إرادة المعنى الثاني منها إلى قرينة تدل عليها ، أو ظاهرة في المعنى الثاني وتحتاج إرادة المعنى الأوّل إلى قرينة ، أو في الجامع بينهما وتحتاج إرادة كل منهما إلى قرينة ، أو فيهما على نحو الاشتراك اللفظي؟ وجوه وأقوال :
قد اختار المحقق صاحب الكفاية قدسسره (١) القول الأوّل بدعوى أنّ صيغة الأمر حقيقة في الوجوب ومجاز في غيره ، واستدلّ على ذلك بأنّ المتبادر منها عرفاً عند إطلاقها وتجردها عن القرينة المقالية والحالية هي الوجوب ، ومن الطبيعي أنّ التبادر المستند إلى نفس اللفظ علامة الحقيقة ، فلو كانت حقيقة في الندب أو مشتركة لفظية أو معنوية لم يتبادر الوجوب منها.
ثمّ أيّد ذلك بقيام السيرة العقلائية على ذم الموالي عبيدهم عند مخالفتهم لامتثال أوامرهم ، وعدم صحّة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب ، مع الاعتراف بعدم دلالتها عليه بحال أو مقال.
ثمّ أورد على نفسه بكثرة استعمال الصيغة في الندب ، وهي مانعة عن ظهورها في الوجوب وتبادره منها ، لوضوح أنّها لو لم تكن موجبةً لظهورها فيه فلا شبهة في أنّها مانعة عن انفهام الوجوب منها ، فإذن لا يمكن حملها عليه عند إطلاقها مجرّدةً عن القرينة.
وأجاب عن ذلك أوّلاً : بأنّ استعمالها في الندب لا يزيد على استعمالها في الوجوب ، لتكون كثرة الاستعمال فيه مانعة عن ظهورها في الوجوب.
وثانياً : أنّ كثرة استعمال اللفظ في المعنى المجازي مع القرينة لا تمنع عن حمله على المعنى الحقيقي عند إطلاقه مجرّداً عنها ، وما نحن فيه كذلك ، فانّ كثرة استعمال الصيغة في الندب مع القرينة لا تمنع عن حملها على الوجوب إذا كانت
__________________
(١) كفاية الاصول : ٧٠.