تفصيل يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى (١).
وذهب إلى القول الثاني بعض الأعاظم قدسسره (٢) وأفاد : أنّ الصيغة وإن لم تدل على الوجوب بالوضع ، ولكنّها تدل عليه بالاطلاق ومقدّمات الحكمة ، بيان ذلك : أنّ الارادة المتعلقة بفعل الغير تختلف شدّةً وضعفاً حسب اختلاف المصالح والأغراض الداعية إلى ذلك ، فمرّةً تكون الارادة شديدةً وأكيدةً بحيث لايريد المولى تخلّف إرادته عن المراد ، ولايريد تخلّف العبد عن الاطاعة والامتثال.
واخرى تكون ضعيفةً على نحو لا يمنع المولى العبد من التخلّف ، ولا يكون العبد ملزماً بالفعل ، بل له أن يشاء الفعل ، وله أن يشاء الترك.
فعلى الأوّل يطلب المولى الفعل على سبيل الحتم والالزام ، ويعبّر عنه بالوجوب ، فيكون الوجوب في واقعه الموضوعي طابعاً مثالياً للارادة الشديدة الأكيدة ومرآةً لها ، فهي روح الوجوب وواقعه الموضوعي.
وعلى الثاني يطلب ذلك طلباً ضعيفاً على سبيل الندب وعدم الحتم ، ويعبّر عنه بالاستحباب ، فيكون الاستحباب مثالاً موضوعياً لتلك المرتبة من الارادة ، وهي روحه وواقعه الموضوعي.
وهذا الاختلاف في الارادة أمر وجداني ، حيث إنّنا نرى بالوجدان أنّ إرادة العطشان مثلاً باتيان الماء البارد أشد وآكد من إرادته باتيان الفاكهة مثلاً بعد الغذاء ، هذا من ناحية.
__________________
(١) في المجلد الرابع من هذا الكتاب ص ٣١٧.
(٢) نهاية الأفكار ١ : ١٦٢.