والحمل على الوجوب ، والسبب في ذلك : أنّ بساطة الارادة الشديدة وتركب الارادة الضعيفة إنّما هما بالنظر الدقي العقلي ، وليستا من المتفاهم العرفي ، ومن الطبيعي أنّ الاطلاق إنّما يعيّن ما هو المتفاهم عرفاً دون غيره ، وحيث إنّ بساطة تلك المرتبة وعدم وجود حد لها ، وتركب هذه المرتبة ووجود حد لها ، أمران خارجان عن الفهم العرفي ، فلا يمكن حمل الاطلاق على بيان المرتبة الاولى دون الثانية. ونظير ذلك ما إذا أطلق المتكلم كلمة الوجود ولم يبيّن ما يدل على إرادة سائر الموجودات ، فهل يمكن حمل إطلاق كلامه على إرادة واجب الوجود ، نظراً إلى عدم تحديده بحد ، وتحديد غيره من الموجودات به؟ كلاّ ، والسرّ فيه ما عرفت من أنّ المعنى المذكور خارج عن المتفاهم العرفي.
والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ تفسير صيغة الأمر مرّةً بالطلب ومرّةً اخرى بالبعث والتحريك ومرّةً ثالثةً بالارادة ، لايرجع بالتحليل العلمي إلى معنىً محصّل ، ضرورة أنّ هذه مجرد ألفاظ لا تتعدى عن مرحلة التعبير واللفظ ، وليس لها واقع موضوعي أصلاً ، والسبب في ذلك : ما حققناه في بحث الانشاء من أنّه عبارة عن اعتبار الأمر النفساني وإبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكله ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّا قد ذكرنا في بحث الوضع (١) أنّ حقيقته عبارة عن تعهد الواضع والتزامه النفساني بأ نّه متى ما أراد معنىً خاصاً يبرزه بلفظ مخصوص.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين : هي ضرورة وضع صيغة الأمر أو ما شاكلها للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج ، لا للطلب
__________________
(١) في ص ٤٨.