فالنتيجة : أنّ المناط في فعلية الخطابات التحريمية إنّما هو فعلية قدرة المكلف على متعلقاتها إيجاداً وتركاً ولو بالقدرة على موضوعاتها كذلك ، فمن كان متمكناً من شرب الخمر ولو بايجاده ، كانت حرمته فعلية في حقّه ، ومن كان متمكناً من تنجيس المسجد مثلاً ولو بايجاد النجاسة ، كانت حرمته كذلك فلا تتوقف على وجود موضوعه في الخارج ، ومن هنا لا ترجع تلك القضايا في أمثال هذه الموارد إلى قضايا شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت الحكم له ، حيث إنّ ترتب الأحكام فيها على موضوعاتها ليس كترتب الجزاء على الشرط.
وعلى ذلك تترتب ثمرة مهمّة في عدّة موارد وفروع وستأتي الاشارة إلى بعضها في ضمن البحوث الآتية (١).
وبعد ذلك نقول : إنّ القيد فيما نحن فيه ـ وهو نفس الأمر ـ وإن كان خارجاً عن الاختيار ، إلاّ أنّ مجرد ذلك لا يوجب أخذه مفروض الوجود ، لما عرفت من الملاك الموجب لأخذ قيدٍ كذلك إمّا الظهور العرفي أو الحكم العقلي ، وعندئذ فهل نرى أنّ الملاك لأخذه كذلك موجود هنا أم لا؟
والتحقيق عدم وجوده ، أمّا الظهور العرفي فواضح ، حيث لا موضوع له فيما نحن فيه ، فانّ الكلام هنا إنّما هو في إمكان أخذ قصد الأمر في متعلقه بدون أخذه مفروض الوجود وعدم إمكانه ، ومن الطبيعي أنّه لا صلة للعرف بهذه الناحية.
وأمّا الحكم العقلي فأيضاً كذلك ، فلأنّ ملاكه هو أنّ القيد لو لم يؤخذ مفروض الوجود في مقام الانشاء لزم التكليف بما لا يطاق ، ومن المعلوم أنّه لا يلزم من
__________________
(١) راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص ١٨٥.