أمّا نقطة الاشتراك ، وهي أنّ العقل كما يستقل بوجوب تحصيل الغرض هناك عند الشك في حصوله كذلك يستقل بوجوب تحصيله هنا ، ومن ثمة قد التزم قدسسره هناك بعدم جريان البراءة العقلية كما في المقام. فالنتيجة : أنّ حكمه قدسسره بلزوم تحصيل الغرض هنا يقوم على أساس ما بنى عليه في تلك المسألة من استقلال العقل بذلك عند الشك في حصوله.
وأمّا نقطة الافتراق ، وهي أنّه قدسسره قد التزم بجريان البراءة الشرعية هناك ولم يلتزم بجريانها في المقام ، والوجه في ذلك : هو أنّ المكلف عند الشك في اعتبار شيء في العبادة كالصلاة مثلاً كما يعلم إجمالاً بوجود تكليف مردد بين تعلّقه بالأقل أو بالأكثر ، كذلك يعلم إجمالاً بوجود غرض مردد بين تعلّقه بهذا أو ذاك ، وحيث إنّ هذا العلم الاجمالي لاينحلّ إلى علم تفصيلي وشك بدوي ، فبطبيعة الحال مقتضاه وجوب الاحتياط ـ وهو الاتيان بالأكثر ـ ومعه لاتجري أصالة البراءة العقلية.
وأمّا البراءة الشرعية فلا مانع من جريانها ، وذلك لأنّ مقتضى أدلة البراءة الشرعية هو رفع الشك عن التقييد الزائد المشكوك فيه ، فلو شككنا في جزئية السورة مثلاً للصلاة فلا مانع من الرجوع إليها لرفع جزئيتها ، وإذا ضممنا ذلك إلى ما علمناه إجمالاً من الأجزاء والشرائط ثبت الاطلاق ظاهراً ـ وهو وجوب الأقل ـ والسرّ في جريان البراءة الشرعية هناك وعدم جريانها هنا واضح ، وهو أنّ البراءة الشرعية إنّما تجري فيما يكون قابلاً للوضع والرفع شرعاً ، وأمّا ما لا يكون كذلك فلا تجري فيه ، وحيث إنّ الأجزاء والشرائط قابلتان للجعل فلا مانع من جريان البراءة الشرعية فيهما عند الشك في اعتبارهما ، وهذا بخلاف قصد القربة حيث إنّ جعله شرعاً غير ممكن لا جزءاً ولا شرطاً ، لا بالأمر الأوّل ولا بالأمر الثاني ، فبطبيعة الحال لاتجري البراءة فيه عند الشك في اعتباره ودخله