والاستقلالية ، فانّها إذا قيّدت بالآلية تختلف عمّا إذا قيّدت بالاستقلالية ، وحينئذ فلمّا كانت العلقة مختصّة في الحروف بما إذا قصد المعنى آلة وفي الأسماء بما إذا قصد المعنى استقلالاً ، فمن الواضح أنّها تكون في الحروف والأدوات غير ما هي في الأسماء ، فتختص في كل واحدة منها بحالة تضاد الحالة الاخرى. ومن هنا قال قدسسره في مبحث المشتق : إنّ استعمال لفظ ( الابتداء ) في موضع كلمة ( من ) ليس استعمالاً في غير الموضوع له ، بل هو استعمال فيه ولكنّه من دون علقة وضعية (١).
فبالنتيجة : أنّ ذلك القول ينحل إلى نقطتين :
النقطة الاولى : هي نقطة الاشتراك ، وهي أنّ الحروف والأسماء مشتركتان في طبيعي معنى واحد ، فالاستقلالية وعدمها خارجتان عن حريم المعنى ، فالمعنى في نفسه لا مستقل ولا غير مستقل.
النقطة الثانية : هي نقطة الامتياز ، وهي أنّ ملاك الحرفية ملاحظة المعنى آلة ، وملاك الاسمية ملاحظة المعنى استقلالاً فبذلك يمتاز أحدهما عن الآخر.
هذا ، ولكن يرد على النقطة الاولى : أنّ لازمها صحّة استعمال كل من الاسم والحرف في موضع الآخر مع أنّه من أفحش الأغلاط ، والوجه في ذلك :
هو أنّ استعمال اللفظ في معنى غير المعنى الموضوع له إذا جاز من جهة العلقة الخارجية والمناسبة الأجنبية مع فرض انتفاء العلقة الوضعية بينه وبين ذلك المعنى ، كان مقتضاه الحكم بالصحّة بطريق أولى إذا كانت العلقة ذاتية وداخلية ، ضرورة أنّه كيف يمكن الحكم بصحّة الاستعمال إذا كانت المناسبة خارجية والعناية أجنبية ، وبعدم صحّته إذا كانت داخلية وذاتية.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٢.