وإن شئت فقل : إنّ القدر الجامع بين هذا الاستعمال ـ أي استعمال الحرف في موضع الاسم وبالعكس ـ وبين استعمال اللفظ في المعنى المجازي ، هو انتفاء العلقة الوضعية في كليهما معاً ، ولكن لذاك الاستعمال مزيّة بها يمتاز ويتفوّق على ذلك الاستعمال ، وهي أنّ الاستعمال هنا استعمال في المعنى الموضوع له ، لفرض اشتراكهما في طبيعي معنى واحد ذاتاً ، وهذا بخلاف ذلك الاستعمال فانّه استعمال في غير المعنى الموضوع له بعناية من العنايات الخارجية ، فإذا صحّ ذلك فكيف لا يصحّ هذا ، مع أنّه من الغلط الواضح ، بل لو تكلم به شخص لرمي بالسفه والجنون.
وعلى ضوء بياننا هذا يتّضح لك جلياً أنّ المعنى الحرفي والاسمي ليسا بمتحدين ذاتاً ولا اشتراك لهما في طبيعي معنى واحد ، بل هما متباينان بالذات والحقيقة ، فانّ هذا هو الموافق للوجدان الصحيح ، ولأجله لا يصحّ استعمال أحدهما في موضع الآخر.
ويرد على النقطة الثانية : أنّ لازمها صيرورة جملة من الأسماء حروفاً ، لمكان ملاك الحرفية فيها وهو لحاظها آلة ومرآة ، كالتبين المأخوذ غاية لجواز الأكل والشرب في قوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ... ) الآية (١) فانّه قد اخذ مرآة وطريقاً إلى طلوع الفجر ، من دون أن يكون له دخل في حرمة الأكل والشرب وعدمها ، فبذلك يعلم أنّ كون الكلمة من الحروف لا يدور على لحاظه آلياً.
وبتعبير آخر : إذا كان الملاك في كون المعنى حرفياً تارة واسمياً اخرى هو اللحاظ الآلي والاستقلالي وكان المعنى بحد ذاته لا مستقلاً ولا غير مستقل ،
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٨٧.