وحينئذ فالغسل من العناوين القصدية ، غايته أنّه ربما أغنى عنه الرمس لا بقصد الغسل ، بل بقصد أمر آخر أو مجرّد وقوعه في الماء ولو باطارة الريح ، وذلك أمر آخر راجع إلى كونه توصّلياً يغني عنه ما يؤدّي مؤدّاه من إزالة النجاسة وإن لم يكن هو المأمور به على ما شرحناه في الفرق بين التعبّدي والتوصّلي (١).
وبالجملة : لمّا كان المأمور به هو الرمس بعنوان الغسل من النجاسة ، وكان جريان أصالة الصحّة موقوفاً على إحراز الاتيان به بذلك العنوان ، وكان الاتيان به بذلك العنوان متوقّفاً على الاتيان به بقصد إزالة النجاسة ، كان ذلك عبارة أُخرى عن كون ذلك العنوان من العناوين القصدية ، ولكن أيّ أثر يترتّب على قصد المأمور به في مثل ذلك ، وما معنى الشكّ في الصحّة في ذلك بعد فرض تحقّق الطهارة بمجرّد رمس الثوب في الماء وإن لم يكن بقصد تطهيره ، إلاّمن جهة أنّ مجرّد الرمس في الماء لا يوجب تحقّق الطهارة إلاّبأن يصل الماء إلى أعماق الثوب مثلاً وطيّاته ، فإن كان بعنوان التطهير أمكن الركون فيه إلى أصالة الصحّة ، ولو لم يكن بعنوان التطهير لم يكن فيه مورد لأصالة الصحّة ، فلاحظ.
قوله : وأمّا في العبادات فإذا حصل الوثوق من قوله يقبل قوله ، لأنّ الاقتصار في إثبات مثل هذه الموضوعات ... الخ (٢).
هذا من موارد قاعدة تصديق المدّعي فيما لا يُعلم إلاّمن قبله ، وقد ذكر في المسالك (٣) من مواردها ما يزيد على العشرين ، وعدّ ما نحن فيه من جملتها وإن استشكل في ذلك ، والظاهر من إطلاق جملة من الكلمات أنّه لا يعتبر الوثوق
__________________
(١) راجع المجلّد الأوّل من هذا الكتاب الصفحة : ٣٦٠ وما بعدها.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٦٥.
(٣) لاحظ مسالك الافهام ١٣ : ٥٠١ ـ ٥٠٣.