قوله : فإنّه كثيراً ما يطلق لفظ الكرّ والفرسخ والحقّة وغير ذلك من ألفاظ المقادير والأوزان على ما ينقص عن المقدار والوزن أو يزيد عنه بقليل ... الخ (١).
يمكن أن يقال : إنّ محطّ هذه المسامحة العرفية ليس هو في إطلاق المقدار المعيّن على الناقص بقليل ، بل هو في عدم الاعتناء بالناقص لقلّته ، مثلاً لو كانت الحقّة عبارة عن ثمانين مثقالاً ، وكانت هناك كمية من الحنطة تبلغ ثمانية وسبعين مثقالاً ، فإنّهم إنّما يطلقون الحقّة على تلك الكمية من الحنطة لأجل عدم اعتنائهم بما نقص منها من المثقالين لقلّتهما ، فكأنّهم يرون ذلك الموجود بتلك المسامحة غير ناقص عن المقدار المقرّر في الحقّة ، لا أنّهم يتسامحون في نفس المقدار الكلّي المقرّر ، وإلاّ لكان مقدار الحقّة عندهم هو الأعمّ من الثمانين مثقالاً وما ينقص ، ولأجل ذلك لو سألتهم عن كلّي الثمانية والسبعين مثقالاً لقالوا إنّه ليس بحقّة ، وتسامحهم مقصور على الكمية الموجودة ، وهذا كاشف عن أنّ هذا التسامح ليس في المصداق بحيث إنّهم يوسعونه ابتداءً إلى الناقص ، بل إنّ تسامحهم إنّما هو في عدم الاعتناء بالنقص الوارد على تلك الكمية الموجودة ، فلا يكون هذا التسامح إلاّمن قبيل التسامح السابق في مسألة الكرّية فيما لو نقص من الماء الموجود شيء قليل لا يعتنى به.
نعم ، إنّ هذا التسامح لا ينفعنا في من وجبت عليه حقّة ودفع ثمانية وسبعين مثقالاً ، لأنّه لا يوجب التوسعة في معنى الحقّة حتّى عند العرف ، وإنّما أقصى ما فيه أنّه بعد عدم اعتنائهم بالناقص لقلّته يطلقون الحقّة عليه مجازاً ، والاطلاق المجازي لا ينفعنا ، وإنّما ينفعنا ذلك التسامح ـ أعني عدم اعتنائهم
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٧٤.