بها إذا كان المنويّ ممّا يوجب الخلود ، مع أنهم بعد الموت يستحيل منهم عمل المنويّ الجزئيّ الذي عناه بحسب الظاهر ؛ فإنه جزئيّ من كلّيّ هو النيّة الكلّيّة لعمل نوع المنويّ ؛ لأنه لا يمكن تحقّق عمل المنويّ إلّا في الخارج ، والخارج لا يقع فيه الكلّيّ من حيث هو كلّيّ ، وإنما يقع فيه جزئيّ من كلّيّه ، بل يختصّ وقوع العمل الجزئيّ وهو المنويّ بنيّة جزئيّة من النيّة الكلّيّة لكلّيّةٍ بالزمان. وفي الآخرة التي هي مقام ظهور الثواب والعقاب لا زمان ، فلا يمكن أن يقع ذلك الجزئيّ المنويّ فيها ، مع أنه في الحقيقة إنما نوى عمل المعصية الدنيويّة الزمانيّة في الدنيا والزمان ، وقد انطمست الدنيا وفنيت ، فلا يمكن أن يقع ما نوي أن يُعمل فيها في غيرها ، وكلّ عمل جزئيّ له نيّة جزئيّة.
فإذن ما همّ عليه من تلك النيّات وإن بقي اتّصاف النفس وتلبّسها بها في الآخرة ليس منويّها بمعمول في خارج الزمان ، وهو قد أناط الحكم به.
وقد دلّ هذا الخبر على أنهم مؤاخذون بها ، فليس إطلاق الشارح على ما ينبغي ، بل الحقّ التفصيلُ. فتخصيص ما دلّ على عدم المؤاخذة على النيّة بما إذا لم يفعلها بإطلاقه لا دليل عليه ، وليس فيه ما يدلّ على هذا الإطلاق.
وأمّا أنه دلّ الآخر على المؤاخذة بنيّة المعصية إذا عملها ، فنحن أيضاً نمنع دلالته على حصر المؤاخذة بالنيّة فيما إذا عملها في الزمان وإن كانت مؤاخذته بها حينئذٍ مسلّمة إجماعيّة ، فإنّا دلّلنا على أنه يُؤاخذ بها إذا أصرّ عليها وإن لم يفعل المنويّ ، وصريح خبر التخليد بالنيّات يدلّ عليه. فليس فيما قرّره الشارح جمعٌ للأخبار ؛ لعدم الدليل عليه ، بل الدليل قام على غيره ، وهو ما فصّلناه.
وأمّا أن الكفر مستقرّ في الخارج ، فإطلاقه ممنوع ؛ لأن الكفر قسمان : اعتقاديّ وفعليّ.
والأوّل ليس بموجود في الخارج ، فضلاً عن أن يكون مستقرّاً فيه.
وأما الفعليّ كقتل المعصوم ، أو سبّه ، وما أشبه ذلك فموجود في الخارج.