وكلا القسمين ليس من باب نيّات الأعمال في شيء ؛ لأن الأوّل اعتقادٌ لا عمل ، ولا نيّة عمل في الخارج ، والبحث في الأعمال الخارجيّة ونيّاتها. والثاني إنما هو عمل يفتقر إلى نيّة ، فليس هو بنيّة.
فلا يظهر لقوله ( فهذه النيّة ليست داخلة ) إلى آخره ، معنًى يظهر لي ولا وجه للتفريع.
ثمّ قال رحمهالله : ( ثمّ قال يعني بعض الأفاضل ـ : كما أن المعصية ليست سبباً للخلود على ما يُفهم من الحديث المذكور يعني : حديث التخليد بالنيّات لكونها في زمان محصور منقطع هو مدّة العمر ، كذلك نيّتها ؛ لأنها تنقطع أيضاً عند انقطاع العمر ، لدلالة الآيات والروايات على ندامة العاصي عند الموت ، ومشاهدة أحوال الآخرة ، فينبغي أن يكون ناويها في النار بقدر كونه في الدنيا لا مخلّداً ) (١).
أقول : تقرير السؤال على ما يظهر أنه كما أن العمل محدود بمدّة العمر وبعده ينقطع ، كذلك نيّته محدودة بمدّة العمر وبعده تنقطع. أمّا الأوّل ، فظاهر ، والخبر يدلّ عليه. وأمّا الثاني ، فلأن الآيات والروايات دلّت على ندامة العاصي عند الموت والمعاينة وانكشاف الغطاء. فكما أن مقتضى العدل أنه لا يخلّد بعمله المنقطع الواقع في زمن يسير حقير قصير منقطع ، كذلك مقتضى العدل ألّا يخلد بنيّة منقطعة واقعة في أيّام قليلة.
والجواب ما أشرنا له من أن البدنيّة مختصّة بالدنيا ، منقطعة بانقطاع العمر ؛ ولذلك صرّح الخبر أن خلودهم ليس بمقتضى أعمالهم ؛ لانقطاعها ، والمنقطع لا يقتضي المؤبّد ، لمنافاته للعدل ، ولأن جميع الأعمال البدنيّة الزمانيّة جزئيّات ، والجزئيّ محدود معدود منقطع ، وكذلك نيّاتها الجزئيّة منقطعة بانقطاع المنويّ ، فإن كلّ عمل جزئيّ له نيّة جزئيّة تختصّ به وتنطبق عليه وتساويه ، لا تزيدُ عليه ، ولا تنقص عنه ، فهي منتهية بانتهاء المنويّ ، منقطعة بانقطاعه ، بخلاف كلّيّ ذلك الجزئيّ ، فإنه غير
__________________
(١) شرح أُصول الكافي ١٠ : ١٤٦.