كما كان مستمرّاً على الإخفات بالقراءة في كلّ من الأُوليين في الظهر والعصر بقرينة المقابلة ، وإحالة التسبيح فيهما على صلاة العشاء التي هي من الجهريّة ، ولا يمكن نسبة الإخفات إلى صلاة العشاء باعتبار آخريّتها ؛ لأنها من الصلاة الجهريّة ، ولا تحال صلاة الإخفاتيّة عليها ، بل ينبغي العكس.
وكذا ليس المراد بالإحالة عليها في أصل التسبيح في الأخيرتين ؛ إذ لا خصوصيّة للعشاء به ، بل الصلوات كلّها فيه على حدّ سواء ، فلا إحالة على العشاء في هذا الصحيح لأمر سوى الجهر به كما فهمه محمّد تقي : في ( شرح الفقيه ) (١) ، وتبعه ابنه في ( شرح التهذيب ) (٢).
ومن العجب ما وقع للشيخ عبد الله بن صالح : في ( أجوبة المسائل المحمّديّة ) (٣) ، حيث استدلّ بهذا الصحيح على وجوب الإخفات في التسبيح.
والذي حمل هؤلاء على التزام الإخفات اشتهاره بين الطائفة لبدليّته عن القراءة ، والقراءة إخفاتيّة لما ذكرناه من الأدلّة. وهو من القياس الصرف ، وليس من مذهبنا الاستدلال به ، مع أن هذا الدليل يستلزم كون القراءة هي الأصل في الأخيرتين والتسبيح بدلاً عنها.
وقد قدّمنا لك من الأخبار البالغة حدّ الاشتهار أن التسبيح هو الأصل ؛ للفرق بين ما فرضه الله على العباد وبين ما فرضه رسوله صلىاللهعليهوآله لأمرٍ منه ، ولأن التسبيح في الأخيرتين إنما فرضه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لِمَا ذكر ممّا أدركه من عظمة ربّه في صلاة المعراج (٤) فسبّحه تنزيهاً لذاته ، كما دلّت عليه تلك الصحاح أيضاً.
وأمّا ما ادّعاه شهيد ( الذكرى ) (٥) من دلالة بعض العمومات عليه فلم نقف عليه
__________________
(١) روضة المتقين ٢ : ٣٠٩.
(٢) ملاذ الأخيار ٣ : ٥٨٤ ـ ٥٨٥.
(٣) عنه في الفرحة الأُنسية ٢ : ٨٠.
(٤) الفقيه ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ / ٩٢٥ ، وسائل الشيعة ٦ : ١٢٣ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥١ ، ح ٣.
(٥) الذكرى : ١٨٩ ( حجريّ ).