الدواء ، إلا وضع له دواء. فلا يدخل في هذا (١) الأدواء التي لا تقبل الدواء.
وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد : ( تدمر كل شئ بأمر ربها ) أي : كل شئ يقبل التدمير ، ومن شأن الريح أن تدمره. ونظائره كثيرة.
ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم ، ومقاومة بعضها لبعض ، ودفع بعضها ببعض ، وتسليط بعضها على بعض ـ : تبين له كمال قدرة الرب تعالى وحكمته وإتقانه ما صنعه ، وتفرده بالربوبية والوحدانية والقهر ، وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه ، كما أنه الغنى بذاته ، وكل ما سواه محتاج بذاته.
وفى هذه الأحاديث الصحيحة : الامر بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل : كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها ، بل لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات (٢) لمسبباتها قدرا وشرعا. وإن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ، كما يقدح في الامر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظن معطلها : أن تركها أقوى في التوكل. فإن تركها عجزا ينافي التوكل الذي حقيقته : اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه. ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلا : كان معطلا للحكمة والشرع. فلا يجعل العبد عجزه توكلا ، ولا توكله عجزا.
وفيها : رد على من أنكر التداوي ، وقال : إن كان الشفاء قد قدر فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قدر فكذلك. وأيضا : فإن المرض حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد.
وهذا السؤال هو الذي أورده الاعراب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وأما أفاضل الصحابة : فأعلم بالله وحكمته وصفاته ، من أن يوردوا مثل هذا.
__________________
(١) كذا بالزاد ، وهو الظاهر. وفى الأصل : « هذه ».
(٢) في الزاد زيادة بعد ذلك ، هي : « معطلها أن تركها ». وهى مقدمة عن موضعها ، وساقطة منه فيه.