وقد أجابهم النبي صلىاللهعليهوسلم بما شفى وكفى ، فقال : هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شئ عن قدره ، بل يرد [ قدره ] (١) بقدره. وهذا الرد من قدره. فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما. وهذا : كرد قدر الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهاد. وكل من قدر الله : الدافع ، والمدفوع ، والدفع.
ويقال لمورد هذا السؤال : هذا يوجب عليك أن لا تباشر سببا من الأسباب التي تجلب بها منفعة ، أو تدفع بها مضرة. لان المنفعة والمضرة : إن قدرتا لم يكن بد من وقوعهما ، وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما. وفى ذلك خراب الدين والدنيا ، وفساد العالم. وهذا لا يقوله إلا دافع للحق ، معاند له فيذكر القدر : ليدفع حجة المحق (٢) عليه. كالمشركين الذين قالوا (٣) : ( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ) ، و ( لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ). فهذا قالوه : دفعا لحجة الله عليهم بالرسل.
وجواب هذا السائل أن يقال : بقى قسم ثالث لم تذكره ، وهو : أن الله قدر كذا وكذا بهذا السبب ، فإن أتيت بالسبب حصل المسبب ، وإلا فلا.
فإن قال : إن كان قدر لي السبب فعلته ، وإن لم يقدره لي لم أتمكن من فعله.
قيل : فهل تقبل هذا الاحتجاج من عبدك وولدك وأجيرك ، إذا احتج به عليك ـ
فيما أمرته به ، ونهيته عنه ـ فخالفك. فإن قبلته : فلا تلم من عصاك وأخذ مالك ، وقذف عرضك ، وضيع حقوقك. وإن لم تقبله : فكيف يكون مقبولا منك في دفع حقوق الله عليك!!.
وقد روى في أثر إسرائيلي : « أن إبراهيم الخليل قال : يا رب ، ممن الداء! قال :
__________________
(١) هذه الزيادة عن الزاد : ( ص ٦٧ ).
(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : « المحقق » ولعله تحريف.
(٣) على ما حكى الله عنهم : في سورة الأنعام ( ١٤٨ ) ، وسورة النحل (٣٥).