وقالت فرقة أخرى : قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر ، عند مقابلة عين العائن لمن يعينه من غير أن يكون منه قوة ، ولا سبب ، ولا تأثير أصلا.
وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم. وهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب ، وخالفوا العقلاء أجمعين. ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة. ولا يمكن العاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام : فإنه أمر مشاهد محسوس. وأنت ترى الوجه : كيف يحمر حمرة شديدة : إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحى منه ، ويصفر صفرة شديدة : عند نظر من يخافه إليه. وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه. وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح. ولشدة ارتباطها بالعين ، ينسب (١) ( الفعل ) إليها ، وليست هي الفاعلة ، وإنما التأثير للروح. والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها ، وكيفياتها وخواصها. فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا. ولهذا أمر الله سبحانه رسوله : أن يستعيذ به من شره.
وتأثير الحاسد في أذى المحسود ، أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الانسانية. وهو أصل الإصابة بالعين. فإن النفس الخبيثة الحاسدة ، تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل المحسود ، فتؤثر بتلك الخاصية (٢). وأشبه الأشياء بهذا الأفعى : فإن السم كامن فيها بالقوة ، فإذا قابلت عدوها : انبعث منها قوة غضبية ، وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية. فمنها : ما تشتد كيفيتها ونقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين. ومنها : ما يؤثر في طمس البصر. كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم ، في الابتروذي الطفيتين (٣) من الحيات : « إنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل ». ومنها : ما تؤثر في الانسان كيفيتها بمجرد الرؤية ، من غير اتصال به ، لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة.
والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية ، كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة
__________________
(١) كذا بالزاد ١١٧. والزيادة عنه. وفى الأصل : نسبت وهو تصحيف.
(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : الخاصة. وهو تحريف.
(٣) سمى بذلك : لان على ظهره خطين يشبهان الطفيتين ، أي الخوصتين اه ق بتصرف.