وكان يحب الحلواء والعسل. وهذه الثلاثة ـ أعنى : اللحم ، والعسل ، والحلواء. ـ من أفضل الأغذية ، وأنفعها للبدن والكبد والأعضاء. وللاغتذاء بها نفع عظيم في حفظ الصحة والقوة ، ولا ينضر (١) منها إلا من به علة وآفة.
وكان يأكل الخبز مأدوما ما وجد له إداما ، فتارة يأدمه باللحم ، ويقول : « هو سيد طعام أهل الدنيا والآخرة ». رواه ابن ماجة وغيره. وتارة بالبطيخ ، وتارة بالتمر. فإنه وضع تمرة على كسرة ، وقال : « هذا إدام هذه ». وفى هذا ـ من تدبير الغذاء ـ أن خبز الشعير بارد يابس ، والتمر حار رطب على أصح القولين ، فأدم خبز الشعير به من أحسن التدبير ، لا سيما لمن تلك عادتهم : كأهل المدينة. وتارة بالخل ، ويقول : « نعم الادام الخل ». وهذا ثناء عليه بحسب مقتضى الحال الحاضر ، لا تفضيل له على غيره : كما يظن الجهال. وسبب الحديث : « أنه دخل على أهله يوما ، فقدموا له خبزا ، فقال : هل عندكم من إدام؟ قالوا : ما عندنا إلا خل. فقال : نعم الادام الخل ».
والمقصود : أن أكل الخبز مأدوما من أسباب حفظ الصحة ، بخلاف الاقتصار على أحدهما وحده. وسمى الأدم أدما : لاصلاحه الخبز وجعله ملائما لحفظ الصحة. ومنه قوله في إباحته للخاطب النظر : « إنه أحرى أن يؤدم بينهما » ، أي : أقرب إلى الالتئام والموافقة ، فإن الزوج يدخل على بصيرة ، فلا يندم.
وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها ، ولا يحتمى عنها. وهذا أيضا من أكبر أسباب حفظ الصحة : فإن الله سبحانه ـ بحكمته ـ جعل في كل بلد (٢) من الفاكهة ، ما ينتفع به أهلها في وقته ، فيكون تناوله من أسباب صحتهم وعافيتهم ، ويغنى عن كثير من الأدوية. وقل من احتمى عن فاكهة بلده : خشية السقم ، إلا وهو من أسقم الناس جسما ، وأبعدهم من الصحة والقوة.
وما في تلك الفاكهة ـ : من الرطوبات. ـ فحرارة الفصل والأرض. وحرارة المعدة
__________________
(١) بالزاد. ينفر.
(٢) بالزاد ١٣٦ : بلدة.