(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي فكلماه بكلام رقيق لين ، ليكون أوقع فى نفسه ، وأنجع فى استجابته للدعوة ، فبرقيق القول تلين قلوب العصاة ، وتنكسر سورة الطغاة ، ومن ثم جاء الأمر به لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم فى قوله : «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».
ومن هذا ما حكى الله بعضه عن موسى فى قوله لفرعون : «هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى» وقوله تعالى له : «وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى».
ثم علل الأمر بإلانة القول بقوله :
(لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) تقدم أن قلنا إن (لعل) فى مثل هذا لتوقع حصول ما بعدها : أي أدّيا الرسالة ، وقوما بتنفيذ ما دعوتكما إليه ، واسعيا إلى إنجازه سعى من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ، ولا يخيب سعيه ، فهو يجتهد قدر استطاعته ، ويحتشد بأقصى وسعه آملا أن تكلل أعماله بالنجاح والفوز والفلاح.
وقصارى ذلك ـ اصدعا بالأمر وأنتما طامعان أن أعمالكما ستثمر ، وأنكما ستهديانه إلى سواء السبيل ؛ وقد جرت العادة أن من رجا شيئا طلبه ، ومن يئس انقطع عمله ، والمقصد من ذلك إلزامه الحجة ، وقطع المعذرة ، وإن لم يفد هدايته.
(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) أي قال موسى وهارون : ربنا إننا نخاف فرعون إن نحن دعوناه إلى ما أمرتنا أن ندعوه إليه ، أن يعجّل علينا بالعقوبة ، ولا يصبر إلى إتمام الدعوة ، وإظهار المعجزة ، أو يزداد طغيانا فيقول فى شأنك ما لا ينبغى ، لعظيم جرأته ، وقساوة قلبه ، وفجوره وشديد عصيانه.
(قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) أي قال الله لهما : لا تخافا فرعون إننى معكما بالنصرة والتأييد ، والحفظ من غوائله ، وإننى أسمع وأرى ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل ، وأحدث فى كل حال ما يصرف شره عنكما.
والخلاصة ـ لست بغافل عنكما ، وإنى سأفعل ما يؤدى إلى حفظكما ونصركما عليه ، فلا تأبها به ، ولا تهتمّا بأمره.