(فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) أي فقابلاه وقولا له : إن الله أرسلنا إليك ـ وقد أمرا بتبليغه ذلك من أول وهلة ، ليعرف لهما حقهما ، ويفكر فيما يقابلهما به من الرد على ما ادّعيا.
وفى التعبير بقولهما (ربك) إيماء إلى أن ما ادعيته من الربوبية لنفسك ، مما لا ينبغى أن يلتفت إليه ، ولا أن ينظر إليه نظرة الاعتبار والصدق.
(فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) أي فأطلق بنى إسرائيل من الأسر ، ولا تعذبهم بتسخيرك إياهم فى شاقّ الأعمال كالحفر والبناء ونقل الأحجار ، وقد كان المصريون يستخدمونهم هم ونساء هم فى تلك الأعمال.
وإنما بدأ بهذا الطلب دون دعوة هذا الطاغية وقومه إلى الإيمان ، لأنه أخف وأسهل من ذلك ، لما فيه من تبديل الاعتقاد وهو عسر شاقّ على النفس.
ثم ذكرا ما يوجب امتثال أمرهما ، ويؤكد دعوى رسالتهما بقولهما.
(قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) أي قد جئناك بالحجة البالغة ، والبرهان الساطع ، على أنه أرسلنا إليك ، وإن لم تصدقنا فيما نقول أريناكها.
(وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) أي والسلامة والأمن من العذاب فى الدنيا والآخرة على من اتبع رسل ربه ، واهتدى بآياته التي ترشد إلى الحق ، وتنيل البغية ، وتبعد عن الغى والضلال.
قال الزّجّاج : أي من اتبع الهدى سلّم من سخط الله وعذابه ، وليس بتحية ، والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب اه.
ويمثل هذا كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل ملك الروم قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام ، فاسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين.
وفى هذا ترغيب فى التصديق على أتم وجوهه ، وتنفير من مخالفته ، وصد عنها على أقصى غاية كما لا يخفى.