ثم فصّل ذلك فقال :
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ، وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أي مكنا له أمره من التصرف فيها كيف يشاء ، بحيث يصل إلى جميع مسالكها ، ويظهر على سائر ملوكها ، وآتيناه من كل شىء أراده من مهامّ ملكه وبسطة سلطانه طريقا يوصله إليه ، فآتيناه العلم والقدرة والآلات التي توصله إلى ذلك.
(فَأَتْبَعَ سَبَباً. حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي فأراد بلوغ المغرب فاتّبع طريقا يوصله إليه ، حتى إذا بلغ منتهى الأرض من جهة المغرب بحيث لا يمكن تجاوزه ، ووقف على حافة البحر المحيط الاطلانطى (المحيط الأطلسى) وجد الشمس تغرب فى عين ذات حمأة وطين أسود.
وخلاصة ذلك ـ إنه بلغ بلادا لا بلاد بعدها تغرب عليها الشمس ، إذ لم يكن عمران إلا ما عرفوه عند بحر الظلمات ، فهو قد سار إلى بلاد تونس ثم مرّاكش ووصل إلى البحر فوجد الشمس كأنها تغيب فيه ، وهو أزرق اللون كأنه طين وماء.
(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) أي ووجد عند تلك العين قوما كفارا فخيّره الله بين أن يعذبهم بالقتل ، وأن يدعوهم إلى الإيمان ، وهذا تفصيل قوله :
(قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) أي قلنا له بطريق الإلهام : إما أن تقتلهم إن هم لم يقرّوا بوحدانيتى ويذعنوا لك فيما تدعوهم إليه من طاعتى ، وإما أن تأمر بتعليمهم طريق الهدى والرشاد ، وتبصيرهم بالشرائع والأحكام.
(قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) أي قال ذو القرنين لبعض خاصته وبطانته : أما من ظلم نفسه فأصرّ على الشرك بربه فسنعذبه بالقتل ، ثم يرجع إلى ربه فى الآخرة فيعذبه عذابا منكرا فى نار جهنم (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) أي وأما من صدّق بالله ووحدانيته وعمل عملا صالحا فى الدارين فله المثوبة الحسنى جزاء وفاقا على تلك الخلال الجميلة التي عملها فى دنياه ، وسنعلّمه فى الدنيا ما يتيسر لنا