وهذا أسلوب من الكلام لا يراد منه حقيقة الاستفهام ، بلى يراد منه تعجيب السامع مما سيذكر بعد ، وتشويقه إلى استماعه ، وتوجيه فكره إلى أنه من الأحاديث التي من حقها أن تتناقلها الرواة ، ويحفظها الوعاة.
ثم فصل شأن أهل الموقف فى ذلك اليوم ، وذكر أن أهله فريقان : فريق الكفرة الفجرة. وفريق المؤمنين البررة ، وقد أشار إلى الأولين بقوله :
(١) (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) أي وجوه يومئذ يظهر عليها الخزي والهوان مما ترى وتشاهد من الهول.
ونحو الآية قوله : «وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ» وقوله : «وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ».
والخشوع والذل وإن كان فى الحقيقة لأرباب الوجوه ، نسب إلى الوجوه لما كان أثره يظهر عليها.
ثم وصف الوجوه بصفات أخرى فقال :
(عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) أي إن هؤلاء الكفار كانوا فى حياتهم الدنيا يعملون ويجتهدون فى أعمالهم ، لكن لم يتقبلها ربهم ، لأنهم لم يقدّموا عليها الإيمان بالله ورسوله ، وهو الدعامة الأولى فى قبول العمل عنده ، ولأنهم لم يقصدوا بها وجهه تعالى ، ولأنهم كانوا يجتهدون فى مشاقة الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا.
والخلاصة ـ إن هؤلاء الكفار وقع منهم فى الدنيا عمل ، وأصابهم فيه تعب ونصب ، لكنهم لم يستفيدوا منه شيئا ، فآثار الخيبة وحبوط العمل بادية على وجوههم.
ثم ذكر جزاءها فى هذا اليوم فقال :
(تَصْلى ناراً حامِيَةً) أي هذه الوجوه تقاسى حر النار وتعذب بها ، لأن أعمالها